وأمّا القتال فالسنّة فيه أيضًا خفض الصوت، وأمّا هذه الدبادب (?) والأبواق والطُّبول فإنها لم تكن على عهد الخلفاء الراشدين ولا من بعدهم من أمْرِ المسلمين، وإنما حدثت من جهة بعض ملوك المشرق من أهل فارس، وانتشرت في الأرض، وتداولها الملوك، حتى رَبَا فيها الصغيرُ وهرِمَ الكبيرُ، لا يعرفون غير ذلك، وينكرون على مَن ينكره. ويزعمُ بعض الجهال أن هذا من إحداث عثمان، وليس الأمر كذلك، بل ولا مِن فعْل مَن بعده من الخلفاء، وإنما ورثتْه الأمةُ من الأعاجم، ولم يكن منه بدٌّ تحقيقًا لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لتأخذَنَّ أمتي مأخذَ الأمم قبلَها شبرًا بشِبْر وذراعًا بذراع"، قالوا: فارس والروم؟ قال: "ومَنِ الناسُ إلا هؤلاء؟ " (?). وكما في الحديث الآخر: "لتركبُنَّ سَننَ من كان قبلَكم حذوَ القُذّةِ بالقُذَّة، حتى لو دخلوا جُحْرَ ضَبٍّ لدخلتموه، قالوا: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال: فمَن؟ " (?). والحديثان في الصحيح.
فأخبر أنه لابدَّ من أن يكون في الأمة من يتشبه باليهود والنصارى وبفارس والروم، وظهور هذا الشبه في الطوائف إنما يعرفه من عرف الحقَّ وضدَّه، وعرف الواجب والواقع، وطابقَ بين هذا وهذا، ووازن بين ما عليه الناس اليوم وبين ما كان عليه السلف الصالح. فإذا كان رفع الصوت في مواطن العبادات بالذكر والدعاء الذي يحبه الله