وجوب رد ما تنازعوا فيه إلى الله ورسوله

فصل: اختلاف الأئمة المتبوعين وموقف المقلدين منه

فأمّا الاحتجاج بفعل طائفة من الصديقين في مسألة نازعهم فيها مثلُهم أو أكثرُ منهم فباطل، بل لو كان المنازع لهم أقلَّ منهم عددًا وأدنى منزلةً، لم تكن الحجة مع أحدهما إلا بكتاب الله وسنّة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فإن الأمة أُمِرَتْ بذلك، قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [النساء: 59]. فإذا تنازع الأمراء والعلماء والزهّاد والعبّاد في شيء، فعليهم جميعهم أن يردُّوا ما تنازعوا فيه إلى الله ورسوله.

ومن المعلوم أن الصديقين الذين أباحوا بعض المسكرات، والصديقين الذين استحلُّوا نكاحَ المتعة، واستحلُّوا الصَّرفَ، واستحلُّوا نكاح التحليل، واستحلُّوا بعض المطاعم التي حرَّمها الشارع، واستحلُّوا قتالَ أهل القبلة، هم أسبقُ من هؤلاء وأكبر وخير منهم وأعلم بالله ورسوله، فإذا نهى مَن خالفهم عما نهى الله ورسوله عنه من ذلك لم يكن لأحد أن يقول: هذا إنكارٌ على كذا وكذا من الصديقين وأئمة المسلمين، فإن هذا الإنكار من نظرائهم أو من هو أعلم بذلك منهم، وإن كانوا أعلمَ منه بشيء آخر، فالصديقون أنكر بعضهم على بعض، وردَّ بعضهم على بعض، وخطَّأ بعضهم بعضًا، بل قاتل بعضهم بعضًا، وكل ذلك لله وفي الله وفي مرضاته.

فصل

وهاهنا نكتة ينبغي التفطُّن لها، وهي أنَّ الله سبحانه لما سبق في قضائه وقدره وعلمه السابق أنَّ الأمة لابدّ أن تختلف، ويكون فيها من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015