واعلم أنَّ بدعة السماع تتضمن الغلوَّ في الدين واتباعَ الهوى والعَشْوَ عن ذكر الله، فإنهم حسبوا أنَّ هذه البدعة دين وقُربةٌ تُقرِّبهم إلى الله، وهذا من أقبح الغلو، وهو يوجب الانحراف عن الصراط المستقيم، واتباعُ الهوى يوجب الضلالَ عن سبيل الله، قال تعالى: {وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص: 26].
والعَشْو عن ذكر الله يوجب مقارنة الشيطان له. قال تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف: 36]، وذكر الله هنا هو كتابه، ومن العشو عنه: التعوُّضُ عنه بسماع الشيطان المحدث.
وقال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} [الجاثية: 18 - 19].
فالشريعة التي جعله ربه عليها تتضمن ما أمره به ورضيه له، وكل عمل وحب وذوق ووجد وحال لا تشهد له هذه الشريعة التي جعله عليها فباطل وضلال، وهو من أهواء الذين لا يعلمون، فليس لأحد أن يتبع ما يحبه فيأمر به ويتخذه دينًا، وينهى عما يُبغِضه ويذمّه إلا بهُدًى من الله، وهو شريعته التي جعل عليها رسوله، وأمره والمؤمنين باتباعها. ولهذا كان السلف يسمون كل من خرج عن الشريعة في شيء من الدين من أهل الأهواء، ويجعلون أهل البدع هم أهل الأهواء، فيذمُّونهم بذلك