صارت أعاليه ملويَّة لأسافله ذلًّا وخضوعًا وانكسارًا، وقد طابق قلبه حال جسمه، فسجد القلب كما سجد الوجه، وقد سجد معه أنفه ويداه وركبتاه ورجلاه، وشرع له أن يُقِلَّ فخذيه عن ساقيه، وبطنَه عن فخذيه، وعضديه عن جنبيه، ليأخذ كل جزء منه حظَّه من الخضوع، ولا يحمل بعضه بعضًا، فأحْرِ به في هذه الحال أن يكون أقربَ إلى ربه منه في غيرها من الأحوال، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أقربُ ما يكون العبد من ربه وهو ساجد" (?). ولما كان سجود القلب خضوعه التام لربه أمكنه استدامة هذا السجود إلى يوم لقائه (?). كما قيل لبعض السلف (?): هل يسجد القلب؟ قال: إي والله! سجدة لا يرفع رأسه منها حتى يلقى الله.
ولما بنيت الصلاة على خمس: القراءة والقيام والركوع والسجود والذكر، سُمِّيت باسم كل واحد من هذه الخمس، فسميت قيامًا كقوله تعالى: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} [المزمل: 2]، وقوله: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238)} [البقرة: 238]. وقراءة كقوله: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78]، وركوعًا كقوله تعالى: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43]، وقوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ} [المرسلات: 48]، وسجودًا كقوله: