فعند قوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} تجد تحت هذه الكلمة إثباتَ كل كمال للرب تعالى فعلًا ووصفًا واسمًا، وتنزيهه عن كل سوء وعيب فعلًا ووصفًا واسمًا، فهو محمود في أفعاله وأوصافه وأسمائه، منزَّهٌ عن العيوب والنقائص في أفعاله وأوصافه وأسمائه، فأفعاله كلها حكمة ورحمة ومصلحة وعدل لا تخرج عن ذلك، وأوصافه كلها أوصاف كمال ونعوت جلال، وأسماؤه كلها حسنى، وحمده قد ملأ الدنيا والآخرة والسموات والأرض وما بينهما وما فيهما، فالكون كله ناطق بحمده، والخلق والأمر صادر عن حمده وقائم بحمده ووُجِد بحمده، فحمده هو سبب وجود كل موجود، وهو غاية كل موجود، وكلُّ موجود شاهد بحمده، وإرساله رسوله بحمده، وإنزاله كتبه بحمده، والجنة عُمرتْ بأهلها بحمده، والنار عُمرتْ بأهلها بحمده، وما أُطِيعَ إلا بحمده، وما عُصي إلا بحمده، ولا تسقط ورقة إلا بحمده، ولا يتحرك في الكون ذرة إلا بحمده.
وهو المحمود لذاته، وإن لم يحمده العباد، كما أنه هو الواحد الأحد ولو لم يُوحِّده العباد، والإله الحق وإن لم يُؤلِّهوه، وهو سبحانه الذي حَمِد نفسَه على لسان القائل: الحمد لله رب العالمين، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله تعالى قال على لسان نبيه: سمع الله لمن حمده" (?). فهو الحامد لنفسه في الحقيقة على لسان عبده، فإنه الذي أجرى الحمد على لسانه وقلبه، وإجراؤه بحمده، فله الحمد كله، وله الملك