وتحسين ما قبَّحه من الفجور ودواعيه، فتنزيل هذا على محبة الله والشوق إليه، أعظم من تنزيله على من قيل فيه أولًا، وأقرب إلى البعد عن سخط الله ومَقْته، ويا لله العجب! أي إيمان يحصل للقلب أو صلاح أو قرب من الله عند قول المغني؟ (?):
بكرتْ تُذكِّرني لجاجَ العُذَّلِ ... فيها وتَلحَظُني بطَرْفٍ مُخْجلِ
وتَمِيْسُ كالغصن الرطيب ودونها ... كَفَلٌ كدِعْصِ الرمل ضخمٌ ممتلي
يا هذه حتَّامَ هجرُكِ والقِلىَ ... جُودي على دَنِفٍ بحبك قد بُلِي
وقال الآخر (?):
أُعانقها والنفس بعدُ مشوقةٌ ... إليها وهل بعد العِناقِ تَدانِ
وألِثمُ فاهاكي تزولَ صَبابتي ... فيشتدُّ ما ألقَى من الهَيمانِ
فإن قال المغني "أعانقه" كان طربُ الحاضرين أكثر، فهل يحل لمن يرجو لله وقارًا، ويعلم أنَّ الله سائلهُ غدًا عما قال وفعل، أن يفتي بأنَّ السماع حلال مطلقًا، وهو يعلم أنَّ هذه البلايا وأضعاف أضعافها فيه؟ هل يطيب السماع عند القوم إلَّا بمدح ما حرَّم الله ورسوله، وذِكْر محاسن المردان والنسوان، والأشعار التي قيلت في حريم المسلمين وأبنائهم؟
فوالله إنَّ بلية الإسلام بهؤلاء من أعظم البلايا، وفي غير سبيل الله كم أُفسِد بالسماع من قلب، وكم سُلِب من نعمة، وكم جُلِب من نقمة،