قوله تعالى: {وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 104]، "أي ولليهود الذين نالوا من الرسول وسبّوه، عذاب أليم موجع" (?).
قال البيضاوي: " يعني الذين تهاونوا بالرسول عليه السلام وسبوه" (?).
قال قتادة: " {عذاب أليم}، أي موجع" (?).
قال ابن عطية: " وأعلمَ أن لمن خالف أمره فكفر عذابا أليما، وهو المؤلم" (?).
قال المراغي: " الكافرون هنا هم اليهود، وفي التعبير به إيماء إلى أن ما صدر منهم من سوء الأدب في خطابه صلى الله عليه وسلم كفر لا شكّ فيه، لأن من يصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه شرّير، فقد أنكر نبوّته وأنه موحى إليه من قبل ربه، ومتى فعل ذلك فقد كفر واستحق العذاب الأليم" (?).
قال القاسمي: " أي اليهود الذي توسلوا بقولكم المذكور إلى التهاون بمقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عَذابٌ أَلِيمٌ لما اجترءوا عليه من العظيمة، وهو تذييل لما سبق، فيه وعيد شديد لهم، ونوع تحذير للمخاطبين عما نهوا عنه. وهذه الآية نظير قوله تعالى في سورة النساء: {مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ، وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 46]، ومن ليّهم ما جاء في الحديث أنهم كانوا إذا سلموا يقولون «السام عليكم» (?)
والسام هو الموت، ولهذا أمرنا أن نزد عليهم ب «وعليكم»، وإنما يستجاب لنا فيهم، ولا يستجاب لهم فينا" (?).
يقول الإمام القرطبي: في هذه الآية دليلان (?):
أحدهما: تجنب الألفاظ المحتملة التي فيها التعريض للتنقيص والغض، ويخرج من هذا فهم القذف بالتعريض، وذلك يوجب الحد عندنا خلافا لأبي حنيفة والشافعي وأصحابهما حين قالوا: التعريض محتمل للقذف وغيره، والحد مما يسقط بالشبهة.
والثاني: التمسك بسد الذرائع (?) وحمايتها، وهو مذهب مالك وأصحابه وأحمد بن حنبل في رواية عنه، وقد دل على هذا الأصل الكتاب والسنة. والذريعة عبارة عن أمر غير ممنوع لنفسه يخاف من ارتكابه الوقوع في ممنوع.