قال الإمام الطبري: ": والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله عز وجل أخبر عن الذين أخبر عنهم أنهم اتبعوا ما تتلو الشياطين على عهد سليمان، باتباعهم ما تلته الشياطين .. ولم يخبرنا الله جل ثناؤه - بأى معنى (التلاوة) كانت تلاوة الشياطين الذين تلوا ما تلوه من السحر على عهد سليمان - بخبر يقطع العذر، وقد يجوز أن تكون الشياطين تلت ذلك دراسة ورواية وعملا فتكون كانت متبعته بالعمل، ودارسته بالرواية. فاتبعت اليهود منهاجها في ذلك، وعملت به، وروته" (?).
واختلفوا في إعراب {ما} ـ في قوله تعالى: {مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ} [البقرة: 102]، على وجهين (?):
أحدهما: أنها موصولة. وهذا قول الجمهور، وهو الصحيح.
والثاني: أنها نافية.
قال السمين الحلبي: " وهذا غلط فاحش لا يقتضيه الكلام البتة" (?).
وقال ابن العربي: " ولا وجه لقول من قال إنه نفي لا في نظم الكلام ولا في صحة المعنى ولا يتعلق من كونه مفعولاً سياق الكلام بمحال عقلاً ولا يمتنع شرعا" (?).
واختلف في قوله تعالى: {عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ} [البقرة: 102]، على ثلاثة أوجه (?):
أحدها: أن معناه: على عهد ملك سليمان. قاله الطبري (?)، وغيره، وهو المشهور.
والثاني: وقيل المعنى: في ملك سليمان، أي: في قصصه وصفاته وأخباره. روي نحوه عن سلمة بن إسحاق (?).
والثالث: على شرعه ونبوته وحاله.
قوله تعالى: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ} [البقرة: 102]، " أي وما كان سليمان ساحراً ولا كفر بتعلمه السحر" (?).
قال المراغي: " أي وما سحر، لأنه لو فعل ذلك فقد كفر، إذ كونه نبيّا ينافى كونه ساحرا، فالسحر خداع وتمويه، والأنبياء مبرءون من ذلك" (?).
قال سلمة بن إسحاق: " أي ما علم بالسحر، والسحر كفر لمن عمل به" (?).
وروي عن قتادة: "في قول الله: {وما كفر سليمان}، قال: ما كان عن مشورته ولا أمره" (?).
قال أبو السعود: " تنزيهٌ لساحته عليه السلام عن السحر وتكذيبٌ لمن افترى عليه بأنه كان يعتقده ويعمل به والتعرُّضُ لكونه كُفراً للمبالغة في إظهار نزاهتِه عليه لسلام وكذِبِ باهِتيهِ بذلك" (?).
قال الزمخشري: " تكذيب للشياطين ودفع لما بهتت به سليمان من اعتقاد السحر والعمل به" (?).
قوله تعالى: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102]، " أي ولكنّ الشياطين هم الذين علموا الناس السحر حتى فشا أمره بين الناس" (?).