قلنا-الإمام الرازي-: التفاوت لا يقع في نفس العلم بل في طريقه؛ فإن العلوم تنقسم إلى ما يكون طريق تحصيله والدليل الدال عليه أكثر مقدمات فيكون الوصول إليه أصعب، وإلى ما يكون أقل مقدمات فيكون الوصول إليه أقرب، وهذا هو الآية البينة (?).

قوله تعالى: : {وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلا الْفَاسِقُونَ} [البقرة: 99]، " أي وما يجحد بهذه الآيات ويكذب إلا الخارجون عن الطاعة الماردون على الكفر" (?).

قال الواحدي: " أي: الخارجون عن أديانهم، واليهود خرجت بالكفر بمحمد - صلى الله عليه وسلم - عن شريعة موسى عليه السلام" (?).

قال مجاهد: " {الفاسقون}، العاصون" (?).

وعن زيد ابن أسلم: في قوله: {الفاسقون}، قال: الكاذبون" (?).

قال السعدي: " تحصل بها الهداية لمن استهدى، وإقامة الحجة على من عاند، وهي في الوضوح والدلالة على الحق، قد بلغت مبلغا عظيما ووصلت إلى حالة لا يمتنع من قبولها إلا من فسق عن أمر الله، وخرج عن طاعة الله، واستكبر غاية التكبر" (?).

قال ابن عاشور: "المعنى: ما يكفر بهاته الآيات إلا من كان الفسق شأنه ودأبه لأن ذلك بهيئه للكفر بمثل هذه الآيات، فالمراد بالفاسقين المتجاوزون الحد في الكفر المتمردون فيه، والإخبار وقع بالمضارع الدال على التجدد، والتوصيف وقع باسم الفاعل المعروف باللام (?).

وفي قوله تعالى {إِلا الْفَاسِقُونَ} [البقرة: 99]، وجهان (?):

أحدهما: أن كل كافر فاسق ولا ينعكس فكأن ذكر الفاسق يأتي على الكافر وغيره فكان أولى.

الثاني: أن يكون المراد ما يكفر بها إلا الكافر المتجاوز عن كل حد في كفره والمعنى أن هذه الآيات لما كانت بينة ظاهرة لم يكفر بها إلا الكافر الذي يبلغ في الكفر إلى النهاية القصوى وتجاوز عن كل حد مستحسن في العقل والشرع.

قال أبو حيان: "المراد بالفاسقين هنا: الكافرون، لأن كفر آيات الله تعالى هو من باب فسق العقائد، فليس من باب فسق الأفعال، وقال الحسن: "إذا استعمل الفسق في شيء من المعاصي، وقع على أعظمه من كفر أو غيره " (?). انتهى، وناسب قوله: {بينات} لفظ الكفر، وهو التغطية، لأن البين لا يقع فيه إلباس، فعدم الإيمان به ليس لشبهة لأنه بين، وإنما هو تغطية وستر لما هو واضح بين .. وكنى بالفسق هنا عن الكفر، لأن الفسق: خروج الإنسان عما حدّ له .. فكأنه قيل: وما يكفر بها إلا المبالغ في كفره، المنتهي فيه إلى أقصى غاية" (?) وفى قوله سبحانه: {وَما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ} تهديد لليهود، ووعيد لهم، على كفرهم وفسقهم فإنه لا يكفر بهذه الآيات التي أنزلها على محمد -صلى الله عليه وسلم- إلا الفاسق الخارج عن طاعة الله، فاليهود هم الكافرون الفاسقون، كفروا بمحمد-صلى الله عليه وسلم-، وفسقوا عن دينهم الذي كانوا عليه، أي خرجوا عن دينهم، حين أنكروا ما فيه من أمر محمد-صلى الله عليه وسلم- ورسالته (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015