إذا ما انتسبنا، لم تلدني لئيمة ... ولم تجدي من أن تُقِري به بُدَّا
فالجزاء للمستقبل، والولادة كلها قد مضت، وذلك أن المعنى معروف، فجاز ذلك.
قال الزجاج: "وهذا القول الثاني يرجع إلى معنى الأول، وإنما جاز أنْ يُذكر هنا لفظُ الاستقبال والمعنى، المضي لقوله {من قبل}، ودليل ذلك قوله: {قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ}، فقوله: {فلم تَقتلون}، بمنزلة " فلم قتلتم" (?).
قال ابن عطية: " وفائدة سوق المستقبل في معنى الماضي الإعلام بأن الأمر مستمر، ألا ترى أن حاضري محمد - صلى الله عليه وسلم - ولما كانوا راضين بفعل أسلافهم بقي لهم من قتل الأنبياء جزء" (?).
قلت: إن التغبير عن الفعل الماضي بالمستقبل، جائز في كلام العرب، وذلك فيما كان بمنزلة الصفة، كما قال جل ثناؤه: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ ... } [البقرة: 102]، أي: ما تلت، وكما قال الشاعر (?):
ولقد أمر على اللئيم يسبني ... فمضيت عنه وقلت لا يعنيني
فقوله: (ولقد أمر) أي: ولقد مررت، واستدل على أن ذلك كذلك، بقوله: (فمضيت عنه)، ولم يقل: (فأمضي عنه).
ومنه قول الشاعر (?):
وإني لآتيكم تَشَكُّرَ ما مضى ... من الأمر، واسْتِيجابَ ما كان في غد
يعني بذلك: ما يكون في غد، ومنه قول الحطيئة (?):
شهد الحطيئة يوم يلقى ربه ... أن الوليد أحق بالعذر