والثاني: الغضب الأوّل: بعبادتهم العجل، والثاني: بكفرهم بمحمّد صلّى الله عليه وسلّم وتبديل نعته. قاله السدي (?).
والثالث: الغضب الأوّل بتضييعهم التوراة، والغضب الثاني بكفرهم بهذا النبيّ الذي اتخذه الله تعالى. قاله ابن عباس (?).
والخامس: أن معناه: "بإثم استحقوا به النار على إثم تقدم استحقوا به النار". قاله الزجاج (?). وروي نحوه عن سعيد بن جبير (?).
والرابع: أنه لما كان الغضب لازماً لهم، كان ذلك توكيداً. قاله الماوردي (?)، وحكاه الرازي عن أبي مسلم (?)، وذكره ابن عطية عن طائفة (?)، ونقله القرطبي (?).
وتجدر الإشارة بأن: "الغضب صفة وصف الله تعالى نفسه بها، وليس غضبه كغضبنا، كما أن ذاته ليست مثل ذواتنا، فليس هو مماثلا لأبداننا ولا لأرواحنا، وصفاته كذاته سبحانه، وما قيل: إن الغضب من الانفعالات النفسانية، فيُقال: نحن وذواتنا منفعلة، فكونها انفعالات فينا لا يجب أن يكون الله منفعلا بها. كما أن نفسه المقدسة ليست مثل ذوات المخلوقين. فصفاته كذلك ليست كصفات المخلوقين، ونسبة صفة المخلوق إليه كنسبة صفة الخالق إليه. وليس المنسوب كالمنسوب، والمنسوب إليه كالمنسوب إليه. كما قال صلّى الله عليه وسلّم: "إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته" (?)، فشبه الرؤية بالرؤية لا المرئيّ بالمرئيّ" (?).
وهذا يتبيّن بقاعدة: "هي أن كثيرًا من الناس يتوهم في بعض الصفات، أو في كثير منها، أو أكثرها، أو كلها، أنها تماثل صفات المخلوقين؛ ثم يريد أن ينفي ذلك الذي فهمه فيقع في أربعة أنواع من المحاذير (?):
الأول: كونه مثَّل ما فهمه من النصوص بصفات المخلوقين، وظن أن مدلول النصوص هو التمثيل.
الثاني: أنه إذا جعل ذلك هو مفهومها وعطّله بقيت النصوص معطلة عما دلت عليه من إثبات الصفات اللائقة بالله، فيبقى مع جنايته على النصوص، وظنه السيئ الذي ظنه بالله ورسوله - حيث ظن أن الذي يفهم من كلامهما هو التمثيل الباطل - قد عطل ما أودع الله ورسوله في كلامهما من إثبات الصفات لله، والمعاني الإلهية اللائقة بجلال الله سبحانه.
الثالث: أنه ينفي تلك الصفات عن الله بغير علم، فيكون معطلا لما يستحقه الرب تعالى.
الرابع: أنه يصف الرب بنقيض تلك الصفات من صفات الأموات والجمادات، أو صفات المعدومات.