وتعلم المسلمون من ذلك أن النصر ليس بالعدد والعُدَّة فحسب، وإنما هو من عند الله {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [آل عمران: 126] " (?).
الحكمة السادسة: توثيق وقائع السيرة النبوية المباركة والتاريخ، وذلك عن طريق معرفة الحادثة ووقتها وأين كانت ومتى، فنستطيع أن نرتب السيرة النبوية من خلال الحوادث وضمها إلى قصص الأنبياء وسير المرسلين وحياة الأمم السابقين (?).
إن في القرآن الكريم ناسخًا ومنسوخًا ولا يمكن أن يكون ذلك إذا نزل القرآن جملةً على المصطفى عليه الصلاة والسلام، إذ لا يُتصور النسخ إلا مع التفريق ولا يمكن أن يحدث ذلك إلا على تباعد الزمن فإن حكمة التربية الانتقالية قد تقتضي تشريعًا تجيء به آية إلى أجل مسمى ثم تجيء آية أخرى بتشريع آخر، ولا يكون هذا إلا مع تنجيم النزول (?).
لقد جمع الله له النزولين: النزول جملة واحدة، والنزول مفرقاً وبذلك شارك الكتب السماوية في الأولى، وانفرد في الفضل بالثانية، وهذا يعود بالتفضيل لنبينا محمد? على سائر إخوانه من الأنبياء - عليهم السلام - وإن الله جمع له من الخصائص ما لغيره، وزاد عليها (?)، وكذلك تفخيم المنزل وهو القرآن الكريم، وتعظيم قدر من سوف ينزل عليه وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، وتكريم من سوف ينزل إليهم وهم المسلمون. وذلك بإعلام سكان السماوات بأن هذا القرآن آخر الكتب المنزلة على خاتم الرسل لأشرف الأمم (?).
يقول السخاوي في جمال القراء: "فإن قيل: ما في إنزاله جملة إلى سماء الدنيا؟ قلت: في ذلك تكريم بني آدم، وتعظيم شأنهم عند الملائكة، وتعريفهم عناية الله عز وجل بهم، ورحمته لهم، ولهذا المعنى أمر سبعين ألفا من الملائكة لما أنزل سورة الأنعام أن تزفها (?).
وزاد سبحانه في هذا المعنى بأن أمر جبريل عليه السلام بإملائه على السفرة الكرام البررة - عليهم السلام - وإنساخهم إياه، وتلاوتهم له وفيه أيضا إعلام عباده من الملائكة وغيرهم أنه علام الغيوب لا يغرب عنه شيء إذ كان في هذا الكتاب العزيز ذكر الأشياء قبل وقوعها" (?).