قال القرطبي: أي: "معتدلٌ عندهم: الإنذار وتركه (?).
قال الصابوني: "أي يتساوى عندهم، فلا تطمع في إيمانهم، ولا تذهب نفسك تذهب نفسك عليهم حسرات، وفي هذا تسلية للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عن تكذيب قوله له" (?).
قال الطبري: "أيّ الأمرين كان منك إليهم [سواء]، الإنذار أم ترك الإنذار (?)، ومن ذلك قول عبيد الله بن قيس الرُّقَيَّات (?):
تُغِذُّ بيَ الشّهبَاءُ نَحْوَ ابن جَعْفٍر ... سَوَاءٌ عَلَيْهَا لَيْلُهَا ونَهَارُهَا
يعني بذلك: معتدلٌ عندها في السير الليلُ والنهارُ، لأنه لا فُتُورَ فيه. ومنه قول الآخر (?):
وَلَيْلٍ يَقُولُ المَرْءُ مِنْ ظُلُمَاتِه ... سَوَاءٌ صَحِيحَاتُ العُيُونِ وَعُورُهَا
لأن الصحيح لا يبصر فيه إلا بصرًا ضعيفًا من ظُلْمته.
قال أبو حيان: " فإن قوله: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ} إشارة إلى أن السواء الذي أضيف إليهم وباله ونكاله عليهم ومستعل فوقهم، لأنه لو أراد بيان أن ذلك من وصفهم فحسب لقال: سواء عندهم، فلما قال: سواء عليهم، نبه على أنه مستعل عليهم" (?).
واختلفت القراءة في قوله تعالى: {أَأَنذَرْتَهُمْ} [البقرة: 6]، على وجوه (?):
أحدها: قرأ الزهري، وابن محيصن: {أنذرتهم}، بهمزة واحدة، حذف الهمزة الأولى لدلالة المعنى عليها، ولأجل ثبوت ما عادلها وهو {أم}، وقرأ أبي أيضا بحذف الهمزة ونقل حركتها إلى الميم.
والثاني: قرأ عاصم وحمزة والكسائي بهمزتين، وقرأ أهل الحجاز وأبو عمرو بالمد وتليين الهمزة الثانية.
والثالث: وقرأ ابن عامر بألف بين همزتين.
قال الثعلبي: " وهذه الآية خاصّة فيمن حقّت عليه كلمة العذاب في سابق علم الله، وظاهرها إنشاء ومعناها إخبار" (?).
قال أبو العالية: " آيتان في قادة الأحزاب: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون}، قال: هم الذين ذكرهم الله في هذه الآية: {ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار} " (?).
وعن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "قيل يا رسول الله إنا نقرأ من القرآن فنرجو، ونقرأ فنكاد أن نأيس. فقال: ألا أخبركم؟ ثم قال: إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون هؤلاء أهل النار. قالوا: لسنا منهم يا رسول الله؟ قال: أجل" (?).
الفوائد:
1 - من فوائد الآية: تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم حين يردُّه الكفار، ولا يَقبلون دعوته.
2 - ومنها: أن من حقت عليه كلمة العذاب فإنه لا يؤمن مهما كان المنذِر والداعي؛ لأنه لا يستفيد. قد ختم الله على قلبه.، كما قال تعالى: {إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون * ولو جاءتهم كل آية حتى يروا