قال ابن سيرين: " نزلت: {يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة}، والنبيّ في مسير له، وإلى جنبه حذيفة بن اليمان، فبلَّغها النبي صلى الله عليه وسلم حُذيفة، وبلّغها حذيفة عمر بن الخطاب وهو يسير خلفه. فلما استُخلف عمر سأل عنها حذيفة، ورجا أن يكون عنده تفسيرها، فقال له حذيفة: والله إنك لعاجز إن ظننت أن إمارتك تحملني أن أحدِّثك فيها بما لم أحدِّثك يومئذ! فقال عمر: لم أرِد هذا، رحمك الله! " (?).

وفي رواية اخرى: "فقال: والله إنك لأحمق إن كنت ظننت أنه لقّانيها رسول الله فلقَّيْتُكها كما لقَّانيها، والله لا أزيدك عليها شيئًا أبدًا! قال: وكان عمر يقول: اللهم مَن كنتَ بيّنتها له، فإنها لم تُبَيَّن لي" (?).

قوله تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} [النساء: 176]، أي: " يسألونك -أيها الرسول- عن حكم ميراث الكلالة، وهو من مات وليس له ولدٌ ولا والد، قل: الله يُبيِّن لكم الحكم فيها" (?).

قال الطبري: أي: " يسألونك، يا محمد، أن تفتيهم في الكلالة" (?).

قال ابن كثير: " وكأن معنى الكلام - والله أعلم - {يَسْتَفْتُونَكَ}: عن الكلالة قل: الله يفتيكم فيها، فدل المذكور على المتروك" (?).

واختلفوا في الكلالة على أقوال:

أحدها: أن الكلالة: من لا ولد له، رواه ابن عباس، عن عمر بن الخطاب (?)، وهو قول طاوس (?).

والثاني: أن الكلالة ما عدا الوالد، وهو قول الحكم بن عيينة في أحد قوليه (?).

والثالث: أن الكلالة ما عدا الولد والوالد، وهو قول أبي بكر (?)، وعمر (?)، والمشهور عن ابن عباس (?)، وسليم بن عبد (?)، وقتادة (?)، والحكم (?)، وابن زيد (?)، والزهيري (?)، وأبي إسحاق (?)، والضحاك (?)، والحسن (?)، وسعيد بن جبير (?)، واختيار الفراء (?)، والزجاج (?).

والرابع: أن الكلالة: بنو العم الأباعد، ذكره ابن فارس، عن ابن الأعرابي (?).

والخامس: أنهم الأخوة للأم. قاله عطية (?).

والسادس: أنهم الأخوة للأب. قاله عبيد بن عمير (?).

والسابع: وقيل: هم الأخوة والأخوات (?).

قال الواحدي: " والذي عليه الأكثرون وهو الصواب أن الكلالة ما عدا الوالد والولد" (?).

قال الزجاج: " زعم أهل اللغة أن الكلالة من قولك: تكلله النسب، أي: لم يكن الذي يرثه ابنه ولا أباه. والكلالة سوى الولد والوالد، والدليل على أن الأب ليس بكلالة قول الشاعر (?):

فإنّ أَبَا الْمَرْء أحْمَى لَهُ ... ومَوْلَى الكَلالَة لَا يَغضَبُ

وإنما هو كالإكليل الذي على الرأس" (?).

ويجدر القول بأن الوارث يسمى "كلالة". قاله سعيد بن جبير (?)، وكما جاء في حديث جابر أنه قال: "ليس يرثني إلا كلالة" (?).

وكذلك أن الموروث أي: الميت، يسمى "كلالة"، قاله الضحاك والسدي (?)، ومنه قول الفرزدق (?):

ورثتم قناة الملك لا عن كلالة ... عن ابني مناف: عبد شمس وهاشم

وقال الطرماح (?):

يهز سلاحا لم يرثه كلالة ... يشك به منها جلود المغابن

يصف ثورا وقرنه وأنه ورثه من أبيه، وجعل القرن له كالرمح من الأسلحة، وأنه يشق به مغابن الكلاب. فالكلالة في هذا البيت يحتمل أنه الوارث، ويحتمل أنه الموروث (?).

وقال النضر بن شميل: أن الكلالة "هو المال" (?).

نستنتج بأن كل من مات ولا ولد له ولا والد فهو كلالة ورثته، وكل وارث ليس بوالد للميت ولا ولد له فهو كلالة موروثه (?).

قال ابن عطية: " ان المترجح أن «الكلالة»، هي: الوراثة التي خلت من أب وابن وابنة ولم يكن فيها عمود نسب لا عال ولا سافل، وبقي فيها من يتكلل، أي: يحيط من الجوانب كما يحيط الإكليل" (?).

قال الشافعي: " والكلالة في هاتين الآيتين (?): الميت لا الوارث، وقد قيل للورثة الذين يرثون الميت وليس فيهم أب ولا ولد: كلالة أيضاً، ألا ترى أن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: مرضت فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: "إني رجل لا يرثنى إلا كلالة" (?) الحديث، فجعل الكلالة: ورثته، فأما الآيتان: فالكلالة فيهما - الميت - الموروث لا الوارث" (?).

وروى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الكلالة، فقرأ آخر سورة النساء، فرد عليه السائل فقال صلى الله عليه وسلم: «لست بزائدك حتى أزاد» (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015