قال ابن كثير: " أي منيع الجناب لا يرام جنابه، ولا يضام من لاذ ببابه {حَكِيمًا} أي: في جميع ما يقدره ويقضيه من الأمور التي يخلقها وله الحكمة البالغة، والحجة الدامغة، والسلطان العظيم، والأمر القديم" (?).
قال الطبري: " يعني: ولم يزل الله منتقمًا من أعدائه، كانتقامه من الذين أخذتهم الصاعقة بظلمهم، وكلعنه الذين قصّ قصتهم بقوله: {فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله}، {حكيمًا}، يقول: ذا حكمة في تدبيره وتصريفه خلقَه في قضائه، يقول: فاحذروا أيها السائلون محمدًا أن ينزل عليكم كتابًا من السماء، من حلول عقوبتي بكم، كما حل بأوائلكم الذين فعلوا فعلكم، في تكذيبهم رسلي وافترائهم على أوليائي" (?).
عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أتاه رجل فقال: أرأيت قول الله: {وكان الله عزيزا حكيما}، قال ابن عباس: كذلك كان ولم يزل" (?).
وفي رواية اخرى: " أما قوله: {وكان}، فإنه لم يزل ولا يزال وهو الأول والآخر، والظاهر والباطن ... ، بكل شيء عليم" (?).
وفي رواية اخرى: " {وكان الله عزيزًا حكيمًا}، قال: معنى ذلك: أنه كذلك" (?).
وعن ابن عباس أيضا: "قال يهودي: إنكم تزعمون أن الله كان عزيزا حكيما، فكيف هو اليوم؟ قال ابن عباس: إنه كان من نفسه عزيزا حكيما" (?).
الفوائد:
1 - تقرير رفع عيسى عليه السلام إلى السماء ونزوله في آخر أيام الدنيا.
2 - إثبات اسمين من أسمائه تعالى: «العزيز»، «الحكيم»:
ومعنى "العزة"؛ أي: المنعة والغلبة، ومنه قوله تعالى: {وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} [ص: 23]؛ أي: غلبني وقهرني، ومن أمثال العرب: "من عز بز"؛ أي: من غلب استلب (?).
و«الحكيم»: إما فعيل بمعنى فاعل؛ أي: ذو الحكم، وهو القضاء على الشيء بأنه كذا أو ليس كذا، أو فعيل بمعنى مفعل، وهو الذي يحكم الأشياء ويتقنها، وقيل: لحكيم ذو الحكمة، وهي معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم " (?).
وهو تعالى «الحكيم»: الموصوف بكمال الحكمة وبكمال الحكم بين المخلوقات، فالحكيم هو واسع العلم والاطّلاع على مبادئ الأمور وعواقبها، واسع الحمد، تام القدرة، غزير الرحمة، فهو الذي يضع الأشياء مواضعها، وينزلها منازلها اللائقة بها في خلْقه وأمره، فلا يتوجه إليه سؤال، ولا يقدح في حكمته مقال، وحكمته نوعان (?):
النوع الأول: الحكمة في خلقه؛ فإنه خلق الخلق بالحق ومشتملاً على الحق، وكان غايته والمقصود به الحق، خلق المخلوقات كلها بأحسن نظام، ورتبها أكمل ترتيب، وأعطى كل مخلوق خلقه اللائق به.
لنوع الثاني: الحكمة في شرعه وأمره، فإنه تعالى شرع الشرائع، وأنزل الكتب، وأرسل الرسل ليعرفه العباد ويعبدوه.
القرآن
{وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159)} [النساء: 159]
التفسير:
وإنه لا يبقى أحدٌ من أهل الكتاب بعد نزول عيسى آخر الزمان إلا آمن به قبل موته عليه السلام، ويوم القيامة يكون عيسى -عليه السلام- شهيدًا بتكذيب مَن كذَّبه، وتصديق مَن صدَّقه.