وقال ابن عاشور: " والرزق ما يناله الإنسان من موجودات هذا العالم التي يسد بها ضروراته وحاجاته وينال بها ملائمه، فيطلق على كل ما يحصل به سد الحاجة في الحياة من الأطعمة والأنعام والحيوان والشجر المثمر والثياب وما يقتنى به ذلك من النقدين، قال تعالى: {وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه} [النساء: 8]، أي مما تركه الميت- وقال: {الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وفرحوا بالحياة الدنيا} [الرعد: 26] وقال في قصة قارون: وآتيناه من الكنوز- إلى قوله- يكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر [القصص: 76 - 82] مرادا بالرزق كنوز قارون وقال: ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض [الشورى: 27] وأشهر استعماله بحسب ما رأيت من كلام العرب وموارد القرآن أنه ما يحصل من ذلك للإنسان، وأما إطلاقه على ما يتناوله الحيوان من المرعى والماء فهو على المجاز، كما في قوله تعالى: وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها [هود: 6] وقوله: وجد عندها رزقا [آل عمران: 37] وقوله: لا يأتيكما طعام ترزقانه [يوسف: 37] " (?).

إن المتبادر إلى ذهن كثير من المسلمين اليوم حين يسمعون عن توسعة الله تعالى على فلان أو غيره في الرزق، هو المعنى المادي فحسب، حيث لا يشكون لحظة أن المقصود هو كثرة المال والأمور المادية المشابهة، ولا يخطر ببال أحدهم غير هذا المعنى، إلا من رحم الله ممن آتاه الله علما وفهما وفقها في الدين، والحقيقة أنه قد يكون المقصود بهذه العبارة – بالإضافة لكثرة الرزق المادي - أمور أخرى معنوية هي أهم من المال والمتاع المادي، فقد يكون المقصود الإيمان الصحيح السليم من البدع والمنكرات والشبهات، والذي هو في الحقيقة سبيل النجاة يوم القيامة، أو العلم الذي يبصر الإنسان بحقائق الأشياء، ويرشده إلى ما فيه صلاحه في الدنيا وفلاحه في الآخرة، أو الزوجة الصالحة أو الولد الصالح .. أو غير ذلك من الأمور المعنوية.

وإن من أهم آثار قصر مفهوم الرزق على الأمور المادية - والمال بشكل خاص - هو غفلة كثير من المسلمين عن ما رزقهم الله تعالى من أرزاق معنوية ظنوا بسبب فهمهم الخاطئ أنها لا تدخل في مفهوم الرزق، فظنوا أن الله حرمهم الرزق ومنحه لآخرين، بينما الحقيقة أن ما منّ الله به عليهم من رزق في الإيمان والعلم وغير ذلك مما هو باقٍ، يفوق بأضعاف مضاعفة ما رزق غيرهم من مال ومتاع مادي زائل، وبالمقابل فإن إدراك المسلمين للمفهوم الإسلامي الشامل للرزق له نتائجه وآثاره الإيجابية، حيث يسود الرضى عن الله تعالى، وتلهج الألسنة والأفئدة بشكره على نعمه الظاهرة والباطنة، ورزقه الواسع في جميع المجالات المادية والمعنوية (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015