وروي " عن أبي العالية في قوله: {الذين يؤمنون بالغيب}، قال: يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وجنته وناره ولقائه. ويؤمنون بالحياة بعد الموت، وبالبعث. فهذا غيب كله" (?).

وقال السدي: " أما الذين يؤمنون بالغيب فهم المؤمنون من العرب، أما الغيب: فما غاب عن العباد من أمر الجنة وأمر النار وما ذكر في القرآن، لم يكن تصديقهم بذلك من قبل أصل كتاب أو علم كان عندهم" (?).

وقوله تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبَ} [البقرة: 3]، فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: يصدقون بالغيب، وهذا قول ابن عباس (?)، وعبدالله (?).

والثاني: يخشون بالغيب، وهذا قول الربيع بن أنس (?).

والثالث: وقيل: الإيمان: العمل. قاله الربيع (?).

وقد ذكر أهل العلم في الأصل (الإيمان)، ثلاثة أقوال (?):

أحدها: أن أصله التصديق، ومنه قوله تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} [يوسف: 17]، يعني: "وما أنت بمصدِّق لنا في قولنا" (?).

قال الأزهري: اتفق العلماء (?) من اللغويين وغيرهم أن الإيمان معناه: التصديق، وقال تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا} [يوسف: 17] " (?).

ثم قال: وإنما قلت: إن المؤمن معناه: المصدق، لأن الإيمان مآخوذ من الأمانة، والله يتولى علم السرائر ونية العقد، وجعل تصديقه أمانة ائتمن كل من أسلم على تلك الأمانة، فمن صدق بقلبه فقد أدى الأمانة، ومن كان قلبه على خلاف ما يظهره بلسانه فقد خان، والله حسيبه، وإنما قيل للمصدق: مؤمن، وقد آمن؛ لأنه دخل في أداء الأمانة التي ائتمنه الله عليها (?).

وأنشد ابن الأنباري على أن (آمن) معناه: صدّق (?) قول الشاعر (?):

وَمِنْ قَبْلُ آمنَّا وَقَدْ كَانَ قَوْمُنَا ... يُصلُون للأوْثَانِ قَبْلُ مُحَمَّدَا

معناه: من قبل آمنا محمدا، [أي صدقنا محمدا] فمحمدا منصوب بمعنى التصديق (?).

والثاني: أن أصله: (الأمان)، فالمؤمن يؤمن نفسه من عذاب الله، والله المؤمِنُ لأوليائه من عقابه.

قال أبو علي الفارسي: "ويجوز من حيث قياس اللغة، أن يكون (آمن) [صار ذا أمن]، مثل: أجدب، وأعاه، أي: صار ذا عاهة في ماله، فكذلك (آمن) صار ذا (أمن) في نفسه وماله بإظهار الشهادتين، كقولهم: أسلم، أي: صار ذا سلم، وخرج عن أن يكون حربا مستحل المال والدم" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015