والثالث: أخرج الطبري والإام احمد (?)، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أنها قالت: "سقطت قلادة لي بالبَيداء، ونحن داخلون إلى المدينة، فأناخ رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل. فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حِجْري راقد، أقبل أبي فلكزني لَكْزة ثم قال: حبست الناس! ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استيقظ وحَضرت الصبح، فالتمس الماء فلم يوجد، ونزلت: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة} الآية. قال أسيد بن حضير: لقد بارك الله للناس فيكم يا آل أبي بكر! ما أنتم إلا بركة! " (?).
وفي رواي أخرى: عن آلقاسم، عن عائشة. أنها قالت: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، حتى إذا كنا بالبيداء (أو بذات آلجيش) آنقطع عقد لي، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على آلتماسه، وأقام الناس معه، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، فأتى آلناس إلى أبي بكر. فقالوا: ألا ترى الى ماصنعت عائشة؟ أقامت برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالناس معه، وليسوآ على ماء، وليس معهم ماء، فجاء أبو بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي قد نام. فقال: حبست رسول الله صلى الله عليه وسلم وآلناس، وليسوا على ماء وليس معهم ماء. قالت: فعاتبني أبو بكر، وقال ماشاء الله أن يقول، وجعل يطعن بيده في خاصرتي، فلا يمنعني من آلتحرك إلا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح على غير ماء، فأنزل آية التيمم، فتيمموا، فقال: أسيد بن الحضير - (وهو أحد آلنقباء) -: ماهي بأول بركتكم يا آل أبي بكر! فقالت عائشة: فبعثنا البعير آلذي كنت عليه، فوجدنا آلعقد تحته " (?).
والرابع: أخرج الطبري وغيره (?)، عن الأسلع بن شريك قال: "كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم وأرحَلُ له، فقال لي ذات ليلة: يا أسلع، قم فارحلْ لي. قلت: يا رسول الله، أصابتني جنابة! فسكت ساعة، ثم دعاني وأتاه جبريل عليه السلام بآية الصعيد، ووصف لنا ضربتين" (?).
والخامس: أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد: " قوله: {ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر}، قال: نزلت في رجل من الأنصار كان مريضا فلم يستطع أن يقوم فيتوضأ، ولم يكن له خادم فينا له، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فأنزل الله تعالى هذه الآية" (?).
والسادس: أخرج الطبري عن إبراهيم قال: "أصاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جراحة ففشت فيهم، ثم ابتلوا بالجنابة، فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت: {وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط}، الآية كلها" (?).
والسابع: قال مقاتل: "نزلت في عبد الرحمن بن عوف أصابته جنابة وهو جريح فشق عليه الغسل وخاف منه شرا أو يكون به قرح أو جدري فهو بهذه المنزلة، فذاك قوله سبحانه: {وإن كنتم مرضى}، يعني به جرحا فوجدتم الماء فعليكم التيمم، {وإن كنتم على سفر}، وأنتم أصحاء، نزلت في عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها-" (?).
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [النساء: 43]، أي: " يا أيها الذين صدَّقوا بالله ورسوله وعملوا بشرعه" (?).
قوله تعالى: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43]، أي: " لا تقربوا الصلاة ولا تقوموا إليها حال السكر حتى تميزوا وتعلموا ما تقولون" (?).
قال الماوردي: "أصل السُكر: السَكْر، وهو سد مجرى الماء، فالسُّكر من الشراب يسد طريق المعرفة (?).
وفي قوله تعالى: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43]، وجهان من التفسير:
أحدهما: سكارى من الخمر، وهو قول ابن عباس (?)، ومجاهد (?)، وقتادة (?)، وابي رزين (?)، وإبراهيم (?).
والثاني: وأنتم سكارى من النوم، وهو قول الضحاك (?).
والراجح-والله أعلم- أن "ذلك نهيٌ من الله المؤمنين عن أن يقربوا الصلاة وهم سكارى من الشراب قبل تحريم الخمر، للأخبار المتظاهرة عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ذلك كذلك، نهيٌ من الله وأن هذه الآية نزلت فيمن ذكرت أنها نزلت فيه" (?) كما سبق الإشارة إليه في سبب نزول الآية.
قال ابن حجر: " قال المفسرون: هذه الآية اقتضت إباحة السكر في غير أوقات الصلاة، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى {فاجتنبوه} (?) " (?) ..
قوله تعالى: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43]، أي: " ولا تقربوا الصلاة إن أصابكم الحدث الأكبر، ولا تقربوا كذلك مواضعها وهي المساجد، إلا من كان منكم مجتازًا من باب إلى باب، حتى تتطهروا بالاغتسال" (?).
قال الطبري: أي: "ولا تقربوها أيضًا جنبًا حتى تغتسلوا، إلا عابري سبيل" (?).
وفي تفسير قوله تعالى: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43]، وجهان:
أحدهما: أراد سبيل المسافر إذا كان جنباً لا يصلي حتى يتيمم، وهذا قول علي (?)، وابن عباس في رواية أبي مجلز عنه (?)، ومجاهد (?)، وسعيد بن جبير (?)، والحكم (?)، والحسن بن مسلم (?)، وعبد الله بن كثير (?)، وابن زيد (?).
والثاني: لا يقرب الجنب مواضع الصلاة من المساجد إلا مارّاً مجتازاً، وهذا قول ابن عباس في رواية الضحاك وابن يسار عنه (?)، وهو قول الحسن (?)، والزهري (?)، وإبراهيم النخعي (?)، وأبي