إن هذه السّورة مدنيّة بإِجماع القُرَّاءِ (?)، وكان نزولها بعد سورة الممتحنة، وفي مكان نزولها أقوال:
أحدها: أنها مكية، رواه عطية عن ابن عباس (?)، وهو قول الحسن (?)، ومجاهد (?)، وجابر بن زيد (?)، وقتادة (?)، واختاره النحاس (?)، والسمرقندي (?).
والثاني: أنها مدنية، رواه عطاء عن ابن عباس (?)، وهو قول مقاتل (?).
قال الطنطاوي: " والحق، أن الذي يقرأ سورة النساء من أولها إلى آخرها بتدبر وإمعان، يرى في أسلوبها وموضوعاتها سمات القرآن المدني. فهي زاخرة بالحديث عن الأحكام الشرعية: من عبادات ومعاملات وحدود. وعن علاقة المسلمين ببعضهم وبغيرهم. وعن أحوال أهل الكتاب والمنافقين، وعن الجهاد في سبيل الله. إلى غير ذلك من الموضوعات التي يكثر ورودها في القرآن المدني" (?).
والثالث: وقيل: إنها مدنية، إلا آية نزلت بمكة في عثمان بن طلحة حين أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذ منه مفاتيح الكعبة، فيسلمها إلى العباس، وهي قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58]. ذكره الماوردي (?)، وابن عطية (?).
واختاره القرطبي، وقال: "هي مدنية إلا آية واحدة نزلت بمكة عام الفتح في عثمان بن طلحة الحجبي وهي قوله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] " (?).
والرابع: أنها مدنية إلا آية واحدة، وهي آية الكلالة (?)، وهذا القول منسوب للطبرسي (?).
والخامس: وقيل: أنها مدنية إلا آيتين (?):
الآولى: قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 58]، نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في الطواف في شأن مفتاح الكعبة ليرده إلى بني شيبة (?).
والثانية: قوله تعالى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا} [النساء: 127]، نزلت بمكة في سؤال جابر بن عبد الله الأنصاري (?).