وقد ثبت في الصحيحين، عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة يُؤتَوْنَ أجرَهم مرتين" فذكر منهم: "ورجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي" (?).
قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [آل عمران: 199]، " أي: إن الله سريع حسابُه، لنفوذ علمه بجميع المعلومات، يعلم ما لكل واحدٍ من الثواب والعقاب" (?).
قال مجاهد: "يعني: سريع الإحصاء" (?).
قال البيضاوي: وذلك" لعلمه بالأعمال وما يستوجبه من الجزاء واستغنائه عن التأمل والاحتياط، والمراد أن الأجر الموعود سريع الوصول فإن سرعة الحساب تستدعي سرعة الجزاء" (?).
قال أبو حيان: " أي سريع الإتيان بيوم القيامة وهو يوم الحساب، والمعنى: أن أجرهم قريب إتيانه أو سريع حسابه لنفوذ علمه، فهو عالم بما لكل عامل من الأجر. وتقدم تفسير هذه الجملة مستوفى" (?).
قال الطبري: " وسرعة حسابه تعالى ذكره: أنه لا يخفى عليه شيء من أعمالهم قبل أن يعملوها، وبعد ما عملوها، فلا حاجة به إلى إحصاء عدد ذلك، فيقع في الإحصاء إبطاء" (?).
قال السمرقندي: " أي شديد العقوبة، ويقال: سريع الحفظ والتعريف" (?).
قال الزمخشري: أي: " {إن الله سريع الحساب}، لنفوذ عمله في كل شيء، فهو عالم بما يستوجبه كل عامل من الأجر، ويجوز أن يراد: إنما توعدون لآت قريب بعد ذكر الموعد" (?).
قال الراغب: " إن قيل: ما فائدة قوله: {إن الله سريع الحساب} ها هنا؟
قيل: الحساب إشارة إلى الثواب المجعول لهم في مقابلة فعلهم، وسقاه حسابا لقوله: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160]، وبين بقوله: {سريع الحساب}، أن ذلك لا يتأخر عنهم، لما كانت النفس مولعة بحب العاجل، ونبه على أمرين:
أحدهما: ما يجعل لهم في الدنيا المدلول عليه بقوله: {فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ} [آل عمران: 148] " (?).
الثاني: أن المدعو به في الآخرة سريع وقوعه وإن كان في ظن الكافرين بطيئا حصوله" (?).
قال الفخر: " والفائدة في كونه سريع الحساب، كونه عالما بجميع المعلومات، فيعلم ما لكل واحد من الثواب والعقاب" (?).
الفوائد:
1 - الثناء على يعض أهل الكتاب لقوله: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ}، و {من}، هنا للتبعيض، وهم قليل.
2 - كمال عدل الله عز ّ وجل بإسناد الفضل إلى أهله، فإنه تعالى لما ذكر عقاب الكافرين وثواب المؤمنين، قال: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ}، فأسند الفضل إلى أهله عزّ وجل.
3 - أن هؤلاء الذين يؤمنون بما انل الله على رسوله -صلى الله عليه وسلم- مع إيمانهم بكتبهم إنما يفعلون ذلك تعظيما لله وذلا له، لا طلبا للدنيا، أو المدح أو ما أشبه ذلك، لقوله: {خَاشِعِينَ لِلَّهِ}.
4 - بيان إخلاص هؤلاء إذ لم يؤمنوا بالله وما انزل إلينا من أجل الدنيا، فهم لايشترون بآيات الله ثمنا قليلا، فهم لايقصدون بإيمانهم شيئا من الدنيا أو جاها أو رئاسة أو رياء.