قوله تعالى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [آل عمران: 179]، أي: " وما كان الله ليدع المؤمنين على ما أنتم عليه من التباس المؤمن منكم بالمنافق، حتى يميز الخبيث وهو المنافق المستسرُّ للكفر، من الطيب وهو المؤمن المخلص الصادق الإيمان، بالمحن والاختبار" (?).
قال ابن كثير: " أي: لا بُد أن يعقد سببا من المحنة، يظهر فيه وليه، ويفتضح فيه عدوه. يُعرف به المؤمن الصابر، والمنافق الفاجر. يعني بذلك يوم أحد الذي امتحن به المؤمنين، فظهر به إيمانهم وصبرهم وجلدهم وثباتهم وطاعتهم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وهتك به ستر المنافقين، فظهر مخالفتهم ونُكُولهم عن الجهاد وخيانتهم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولهذا قال: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} " (?).
قال مجاهد: " ميز بينهم يوم أحد، المنافقَ من المؤمن" (?).
قال ابن جريج: " يقول: ليبين الصادق بإيمانه من الكاذب، قال ابن جريج، قال مجاهد: يوم أحد، ميز بعضهم عن بعض، المنافق عن المؤمن" (?).
وقال قتادة: " {ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه}، يعني الكفار. يقول: لم يكن الله ليدع المؤمنين على ما أنتم عليه من الضلالة: حتى يميز الخبيث من الطيب، يميز بينهم في الجهاد والهجرة" (?). وروي عن السدي نحو ذلك (?).
واختلف أهل التأويل في الخبيث الذي عنى الله بهذه الآية على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه المنافق، وهو قول مجاهد (?)، وابن جريج (?)، ومحمد بن إسحاق (?).
والثاني: أنه الكافر، وهو قول قتادة (?)، والسدي (?).
والثالث: أنه المذنب، والمعنى: " حتى يميز الخبيث وهو المذنب، من الطيب وهو المؤمن، يعني حتى يحط الأوزار من المؤمن ما يصيبه من نكبة ومحنة ومصيبة". حكاه الثعلبي عن البعض (?).
والقول الأول أولى، لأن الآيات التي قبلها في سياق المنافقين. والله أعلم.
واختلفوا في الذي وقع به التمييز على قولين (?):
أحدهما: بتكليف الجهاد، وهذا قول من تأوّل الخبيث بالمنافق.
والثاني: بالدلائل التي يستدل بها عليهم وهذا قول من تأوله للكافر.
وفي توجيه الخطاب في هذه الآية قولان (?):
أحدهما: أن الخطاب للكفار والمنافقين من الكفر والنفاق حتى يميز الخبيث من الطيب.
قال الثعلبي: "وهذا قول ابن عباس والضحاك ومقاتل والكلبي وأكثر المفسرين" (?).
والثاني: أن الخطاب للمؤمنين الذين أخبر عنهم، ومعنى الآية: ما كان الله ليذركم يا معشر المؤمنين على ما أنتم عليه من التباس المؤمن بالمنافق، حتى يميز الخبيث من الطيب.