وللصلحاء متعاقب متوال، وللفاسق والغافل غير متوال، يصحبه حينا ويفارقه حينا في الفترة، فذلك الآخر أكثر إيمانا، فهذه هي الزيادة والنقص وفي هذا القول نظر، وقوله تعالى: فزادهم إيمانا لا يتصور أن يكون من جهة الأدلة، ويتصور في الآية الجهات الأخر الثلاث، وروي أنه لما أخبر الوفد من عبد القيس رسول الله صلى الله عليه وسلم بما حملهم أبو سفيان، وأنه ينصرف إليهم بالناس ليستأصلهم، وأخبر بذلك أيضا أعرابي، شق ذلك على المسلمين فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل فقالوا واستمرت عزائمهم على الصبر ودفع الله عنهم كل سوء، وألقى الرعب في قلوب الكفار فمروا" (?).

الفوائد:

1 - بيان أن المؤمن كلما ضاقت عليه المصائب فإنه يلجأ إلى ربه ويزداد إيمانا به.

2 - أن الحسب هو الله وحده ولا أحد معه، كما أنه وحده المتوكل عليه.

3 - الثناء على الله عزّ وجل لكونه وكيلا لعباده، أي: حسيبا لهم وعمدة لهم.

4 - إثبات اسم {الوكيل} لله، لأن تقدير الآية: ونعم الوكيل هو، ومعناه: المتكفل بشؤون عباده، وليس معناه: القائم بالأمر نيابة عنهم.

5 - وفي الآية دليل على أن الإيمان يتفاوت زيادة ونقصانا، فإن ازدياد اليقين بتناصر الحجج، وكثرة التأمل، مما لا ريب فيه.

القرآن

{فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)} [آل عمران: 174]

التفسير:

فرجعوا من «حمراء الأسد» إلى «المدينة» بنعمة من الله بالثواب الجزيل وبفضل منه بالمنزلة العالية، وقد ازدادوا إيمانًا ويقينًا، وأذلوا أعداء الله، وفازوا بالسلامة من القتل والقتال، واتبعوا رضوان الله بطاعتهم له ولرسوله. والله ذو إحسان وعطاء كثير واسع عليهم وعلى غيرهم.

في سبب نزول هذه الآية والتي بعدها:

قال عكرمة: " ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر الصغرى، وبهم الكلوم، خرجوا لموعد أبي سفيان فمر بهم أعرابي، ثم مر بأبي سفيان وأصحابه وهو يقول:

ونفرت ناقتي محمد من رفقتي ... وعجوة منثورة كالعنجد.

فتلقاه أبو سفيان فقال: ويلك، ما تقول؟ فقال: محمد وأصحابه تركتهم ببدر الصغرى، فقال أبو سفيان: يقولون ويصدقون، ونقول ولا نصدق، وأصابت رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من الأعراب وانقلبوا، قال عكرمة: ففيهم أنزلت هذه الآية: {الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح}، إلى قوله: {فانقلبوا بنعمة من الله وفضل}، الآية" (?).

وفي السياق نفسه قال الواقدي: " وفي قوله: {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا}، إلى قوله: {واتبعوا رضوان الله}، فإن أبا سفيان بن حرب وعد النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد بدر الموعد الصفراء، على رأس الحول، فقيل لأبي سفيان: ألا توافي النبي؟ فبعث نعيم بن مسعود الأشجعي إلى المدينة يثبط المسلمين، وجعل له عشرا من الإبل إن هو ردهم، ويقول إنهم قد جمعوا جموعا وقد جاءوكم في داركم، لا تخرجوا إليهم. حتى كاد ذلك يثبطهم أو بعضهم، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: والذي نفسي بيده، لو لم يخرج معي أحد لخرجت وحدي، فأنهجت (?) لهم بصائرهم، فخرجوا بتجارات وكان بدر موسما، {فانقلبوا بنعمة من الله وفضل} في التجارة، يقول: اربحوا، {لم يمسسهم سوء} لم يلقوا قتالا، وأقاموا ثمانية أيام ثم انصرفوا" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015