وقال عبيد بن عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف يوم أحد مر على مصعب بن عمير وهو مقتول فوقف عليه ودعا ثم قرأ: من المؤمنين رجال صدقوا (?) الآية، ثم قال صلى الله عليه وسلم: «إن رسول الله يشهد أن هؤلاء شهداء عند الله يوم القيامة، فأتوهم وزوروهم وسلموا عليهم، فو الذي نفسي بيده لا يسلم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلا ردوا عليه، يرزقون من ثمار الجنة وتحفها» (?) " (?).
قال الماتريدي: "قوله تعالى: {بل أحياء}، أي: يجري أعمالهم بعد قتلهم، كما كان يجري في حال حياتهم، فهم كالأحياء فيما يجري لهم ثواب أعمالهم وجزائهم، ليسوا بأموات.
وقيل: إن حياتهم حياة كلفة؛ وذلك أنهم أمروا بإحياء أنفسهم في الآخرة؛ ففعل المؤمنون ذلك: أحيوا أنفسهم في الآخرة؛ فسموا أحياء لذلك، والكفار لم يحيوا أنفسهم" (?).
قال الجصاص: " زعم قوم أن المراد أنهم يكونون أحياء في الجنة, قالوا: لأنه لو جاز أن ترد عليهم أرواحهم بعد الموت لجاز القول بالرجعة ومذهب أهل التناسخ. قال أبو بكر: وقال الجمهور: "إن الله تعالى يحييهم بعد الموت فينيلهم من النعيم بقدر استحقاقهم إلى أن يفنيهم الله تعالى عند فناء الخلق, ثم يعيدهم في الآخرة ويدخلهم الجنة"; لأنه أخبر أنهم أحياء, وذلك يقتضي أنهم أحياء في هذا الوقت ولأن تأويل من تأوله على أنهم أحياء في الجنة يؤدي إلى إبطال فائدته; لأن أحدا من المسلمين لا يشك أنهم سيكونون أحياء مع سائر أهل الجنة, إذ الجنة لا يكون فيها ميت. ويدل عليه أيضا وصفه تعالى لهم بأنهم فرحون على الحال بقوله تعالى: {فرحين بما آتاهم الله من فضله}، ويدل عليه قوله تعالى: {ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم} وهم في الآخرة قد لحقوا بهم، وروى ابن عباس وابن مسعود وجابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في حواصل طيور خضر تحت العرش ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش" (?) ; وهو مذهب الحسن وعمرو بن عبيد وأبي حذيفة وواصل بن عطاء, وليس ذلك من مذهب أصحاب التناسخ في شيء; لأن المنكر في ذلك رجوعهم إلى دار الدنيا في خلق مختلفة, وقد أخبر الله تعالى عن قوم أنه أماتهم ثم أحياهم في قوله: {ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم} [البقرة: 243] وأخبر أن إحياء الموتى معجزة لعيسى عليه السلام فكذلك يحييهم بعد الموت ويجعلهم حيث يشاء.
وقوله تعالى: {عند ربهم يرزقون} معناه: حيث لا يقدر لهم أحد على ضر ولا نفع إلا ربهم عز وجل. وليس يعني به قرب المسافة; لأن الله تعالى لا يجوز عليه القرب والبعد بالمسافة; إذ هو من صفة الأجسام. وقيل: عند ربهم من حيث يعلمهم هو دون الناس" (?).
قال الواحدي: " الأصح في حياة الشهداء ما روينا عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن أرواحهم في أجواف طير، وأنهم يرزقون ويأكلون ويتنعمون" (?).
الفوائد:
1 - فضيلة من قتل في سبيل الله لكوهم أحياء عند الله عزّ وجل.
2 - الترغيب في الجهاد لتكون كلمة الله هي العليا.
3 - أن الشهداء يرزقون برزق أخروي.
4 - أنه إذا ثبت هذا للشهيد، فإنه يثبت للأنبياء من باب أولى، ويمتاز الانبياء عن الشهداء بأن الله حرم على الارض أن تأكل أجسادهم، بخلاف الشهداء فإن الأرض تأكلهم وقد لا تأكل بعضهم إكراما لهم.