قال الطبري: أي: " وليعلم الله المؤمنين، وليعلم الذين نافقوا، أصابكم ما أصابكم يوم التقى الجمعان بأحد، ليميِّز أهلُ الإيمان بالله ورسوله المؤمنين منكم من المنافقين فيعرفونهم، لا يخفى عليهم أمر الفريقين" (?).
قال ابن عرفة: " وهو وعد ووعيد؛ لأنه إذا علم العبد الطائع أن سيده عالم بما هو فاعل من الطاعة يزداد فرحا وسرورا واجتهادا في عمله، وإذا علم العاصي بأن سيده عالم بما هو يفعل من وجوه المخالفات يزداد هما وغما، ويكون ذلك إنذارا له وتنفيرا عن نعمته، وعبر عن المؤمنين بالاسم والكافرين (?) بالفعل إشارة إلى أن ذلك الوعد إنما هو لمن ثبت له الإيمان في قلبه وفي ظاهره، وأما الوعيد فهو لمن اتصف بأدنى شيء من النفاق فجرت الأولى مجرى الأمر، والثانية مجرى النهي، وفي الحديث: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا» (?) " (?).
الفوائد:
1 - تسلية المؤمنين بقضاء الله قدره، لأن المؤمن إذا علم أنه من عند الله رضي وسلّم.
2 - أن الله قد يقدّر على عبده المؤمن ما يكرهه لحكم عظيمة.
القرآن
{وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167)} [آل عمران: 167]
التفسير:
وليعلم المنافقين الذين كشف الله ما في قلوبهم حين قال المؤمنون لهم: تعالوا قاتلوا معنا في سبيل الله، أو كونوا عونًا لنا بتكثيركم سوادنا، فقالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون أحدًا لكنا معكم عليهم، هم للكفر في هذا اليوم أقرب منهم للإيمان; لأنهم يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم. والله أعلم بما يُخفون في صدورهم.
في سبب نزول الآية:
أخرج الطبري عن عكرمة، قوله: " {قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم}، قال: نزلت في عبدالله بن أبيّ ابن سلول" (?).
قال ابن حجر: " اتفقوا على أنها نزلت في عبد الله بن أبي وأتباعه الذين رجعوا قبل القتال" (?).
قوله تعالى: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا} [آل عمران: 167]، "أي: وليعلم أهل النفاق" (?).
قال محمد بن إسحاق: " يعني: عبدالله بن أبيّ ابن سلول وأصحابه الذين رجعوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سار إلى عدوّه من المشركين بأحد" (?).
قال الزجاج: أي: " ويظهر نفاق المنافقين بفشلهم وقلة الصبر على ما ينزل بهم في ذات الله" (?).
قال ابن كثير: " يعني بذلك أصحاب عبد الله بن أبي ابن سلول الذين رجعوا معه في أثناء الطريق، فاتبعهم من اتبعهم من المؤمنين يحرضونهم على الإياب والقتال والمساعدة" (?).