قال ابن كثير في تفسير: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5]: "والدين يرجع كله إلى هذين المعنيين، وهذا كما قال بعض السلف: الفاتحة سر القرآن، وسرها هذه الكلمة: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] فالأول تبرؤ من الشرك، والثاني تبرؤ من الحول والقوة، والتفويض إلى الله عز وجل. وهذا المعنى في غير آية من القرآن، كما قال تعالى: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [هود: 123] {قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا} [الملك: 29] {رَبَّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلا} [المزمل: 9]، وكذلك هذه الآية الكريمة: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} " (?).

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يقول الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل، إذا قال العبد: {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، قال: الله: حمدني عبدي، وإذا قال: {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}، قال الله: أثنى عليَّ عبدي، فإذا قال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، قال الله: مجدني عبدي، وإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ* صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلا الضَّالِّينَ}، قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل" (?) ".

واختلفت القراءة في قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5]، على أوجه (?):

أحدها: (إِيَّاكَ)، بتشديد (الياء)، قرأ بها نافع، ابن كثير، أبو عمرو، ابن عامر، عاصم، حمزة، الكسائي.

قال القرطبيّ: "الجمهورُ من القُرّاءِ والعلماءِ على شدِّ الياء من (إياك) في الموضعين" (?).

فإن {إيّاك} منصوب بوقوع الفعل عليه، وهو (نعبد)، وتقديم المفعول لقصد الاختصاص والاهتمام به، والمعنى: نخصك بالعبادة، ونخصك بطلب المعونة (?).

والثاني: (إِيَاكَ): في الموضعين، بتخفيف (الياء)، قراءة شاذة، لعمرو بن فائد (?) عن أبيّ.

قال ابنُ كثير: "قرأَ السّبعةُ والجمهورُ بتشديد الياء من (إيّاك)، وقرأَ عَمرو بن فايد بتَخفيفها مع الكسر وهي قراءةٌ شاذّةٌ مردودةٌ؛ لأنّ (إيا) ضوءُ الشّمس" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015