أحدهما: مجيء الأثر في ذلك -اللطيف- في أسماء الله تعالى مع ما نطق به الكتاب، ولم يذكر في شيء من ذلك رقيق، ومعنى اللطيف: استخراج الأمور الخفية وظهورها له؛ كقوله: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ}، إلى قوله: {لَطِيفٌ خَبِيرٌ} [لقمان: 16].

والثاني: أن اللطيف حرف يدل على البر والعطف، والرقة على رقة الشيء التي هي نقيض الغلظ والكثافة، كما يقال: فلان رقيق القلب.

وقوله: أحدهما أرق من الآخر، بمعنى اللطف - يحتمل وجهين:

أحدهما: التحقيق بأن اللطف بأحد الحرفين أخص وأليق، وأوفر وأكمل، فذلك رحمته بالمؤمنين أنه يقال: رحيم بالمؤمنين على تخصيصهم بالهداية لدينه؛ ولذا ذكر أمته وإن أشركهم في الرزق فيما يراهم غيرهم؛ ألا ترى أنه لا يقال: رحمن بالمؤمنين، وجائز القول: رحيم بهم، وكذلك لا يقال: رحيم بالكافرين، مطلقا؟ ! .

ووجه آخر: أن أحدهما ألطف من الآخر؛ كأنه وصف الغاية في اللطف حتى يتعذر وجه إدراك ما في كل واحد منهما من اللطف، أو يوصف بقطع الغاية عما يتضمنه كل حرف" (?).

قال القرطبي: "إنما وصف نفسه بـ {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 3] بعد قوله: {رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] ليكون من باب قرن الترغيب بعد الترهيب، كما قال تعالى: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ* وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ} [الحجر: 49 - 50] " (?).

وقال ابن عرفة: "قدم أولا الوصف بـ {رَبّ العَالمِينَ}، تنبيها على أصل النشأة، وأنه هو الخالق المبدئ، ثم ثنى بحال الإنسان في الدّنيا من النعم والإحسان، فلولا رحمة الله تعالى لما كان ذلك" (?).

وفي اشتقاق {الرحمن}، قولان (?):

أحدهما: أنه اسم عبراني معرب، وليس بعربي، كالفسطاط رومي معرب، والإستبرق فارسي معرب، لأن قريشاً وهم فَطَنَةُ العرب وفُصَحَاؤهم، لم يعرفوهُ حتى ذكر لهم، وقالوا ما حكاه الله تعالى عنهم: {. . . وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً} [الفرقان: 60]، وهذا قول ثعلب (?)، واستشهد بقول جرير (?) (?):

أو تتركون إلى القسّين هجرتكم ... ومسحكم صلبهم رحمن قربانا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015