قوله تعالى: {لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة: 275]، أي: " لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إِلا كما يقوم المصروع من جنونه" (?).
قال الطبري: أي: لا يقومون في الآخرة من قبورهم، إلا كما يقوم الذي يتخبله الشيطان من مَسِّه إياه (?).
قال ابن كثير: " أي: لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم المصروع حال صرعه وتخبط الشيطان له؛ وذلك أنه يقوم قياما منكرًا" (?).
قال القرطبي: " في هذه الآية دليل على فساد إنكار من أنكر الصرع من جهة الجن، وزعم أنه من فعل الطبائع، وأن الشيطان لا يسلك في الإنسان ولا يكون منه مس" (?).
يقال: قد مُسّ الرجل وأُلقِ، فهو مَمسوس ومَألوق، كل ذلك إذا ألمّ به اللَّمَمُ فجُنّ، ومنه قول الله عز وجلّ: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا} [الأعراف: 201]، ومنه قول الأعشى (?):
وَتُصْبحُ عَنْ غِبِّ السُّرَى، وكأَنَّمَا ... أَلَمَّ بِهَا مِنْ طَائِفِ الجِنِّ أَوْلَقُ
وقوله تعالى: {لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة: 275]، اختلف المفسرون في هذا القيام، وفيه أقوال (?):
أحدها: أن آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنونا وذلك كالعلامة المخصوصة بآكل الربا، فعرفه أهل الموقف لتلك العلامة أنه آكل الربا في الدنيا، فعلى هذا معنى الآية: أنهم يقومون مجانين، كمن أصابه الشيطان بجنون. قاله ابن عباس (?)، وروي عن عوف بن مالك، وسعد بن جبير والسدي والربيع بن أنس ومقاتل بن حيان، نحو ذلك (?).
والثاني: يريد إذا بعث الناس من قبورهم خرجوا مسرعين لقوله يخرجون من الأجداث سراعا [المعارج: 43] إلا أكلة الربا فإنهم يقومون ويسقطون، كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس وذلك لأنهم أكلوا الربا في الدنيا، فأرباه الله في بطونهم يوم القيامة حتى أثقلهم فهم ينهضون، ويسقطون، ويريدون الإسراع، ولا يقدرون، وهذا القول غير الأول لأنه يريد أن أكلة الربا لا يمكنهم الإسراع في المشي بسبب ثقل البطن، وهذا ليس من الجنون في شيء.