كما أجمعوا على الاستعاذة بالله العظيم من شرورهم، ومن يعرف عجائب خلق الله عز وجل وعظمته وقدرته لن يستغرب وجود عالم الجن غير المرئي، ووجود عالم الإنس المرئي، فكلاهما من مخلوقات الله تعالى العقلاء.

وكان لبعض القدامى اعتقادات عجيبة في الجن، حتى إن بعضهم جعل الجن شركاء لله عز وجل، فأبطل القرآن هذا كله، فقال عز من قائل: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ}] الصافات 158].

تعريف إبليس لغة:

اختلف أهل العلم في تعريف كلمة (إبليس)، على أقوال:

أحدها: أن إبليس اسم عربي، على وزن إفعيل، مشتق من الإبلاس، وهو الإبعاد من الخير، أو اليأس من رحمة الله (?)، يقال أَبلَس الرجل: إذا انقطع ولم تكن له حجَّة، وأَبلَس الرجل: قُطِع به، وأبلس أيضًا: سكَتَ، وأبلس مِن رحمة الله: يئس، والإبلاس: الحزن المعترض من شدَّة البأس، وقد استخدم العربُ هذه المعاني فقالوا: ناقة مِبلاس: إذا كانت لا تَرغو من الخوف، وفلان أبلس: إذا سكَت من شدَّة الخوف (?)، والقرآن الكريم استخدم هذه المعاني اللغويَّة لكلمة أبلس، فقال تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ} [الروم: 12]، وقال تعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} [الأنعام: 44].

والثاني: وقال الأكثرون: إن إبليس اسم أعجمي ممنوع من الصرف للعلمية والعجمية (?)، وقد ذكر ابن الأنباري أن إبليس لو كان اسماً عربياً لم يصرف كإكليل وإحليل (?)، قال أبو إسحاق: أن إبليس أعجمي معرفة، وذكر الزبيدي أن إبليس لا يصح أن يشتق وإن وافق معنى إبليس لفظاً ومعنى، وقد غلط العلماء الذين قالوا باشتقاقه.

وذكر الطبري بأنه: "لم يصرف استثقالاً، إذ كان اسماً لا نظير له من أسماء العرب، فشبهته العرب إذ كان كذلك بأسماء العجم التي لا تجري كما في إسحاق حيث لم يجروه، وهو مشتق من أسحقه الله إسحاقاً، إذ وقع ابتداء اسماً لغير العرب التي تسمت به العرب، فجري مجراه، وهو من أسماء العجم في الإعراب فلم يصرف، وكذلك أيوب إنما هو من آب يئوب" (?).

وقال ابن حجر: "وقد تعقب بأنه لو كان اسماً عربياً مشتقاً من الإبلاس لكان قد سمي به بعد يأسه من رحمة الله بطرده ولعنه" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015