الثاني: أنه بيان لسنة الطلاق أن يوقع في كل قول طلقة واحدة، وهو قول عبد الله بن مسعود (?)، وعبد الله بن عباس (?)، ومجاهد (?).
والراجح هو القول الأول، لأنه أولى بظاهر الآية، و"الآية إنما هي دليل على عدد الطلاق الذي يكون به التحريم، وبُطولُ الرجعة فيه، والذي يكون فيه الرجعة منه. وذلك أن الله تعالى ذكره قال في الآية التي تتلوها: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}، فعرَّف عباده القدرَ الذي به تحرُم المرأة على زوجها إلا بعد زوجٍ - ولم يبين فيها الوقتَ الذي يجوز الطلاق فيه، والوقتَ الذي لا يجوز ذلك فيه، فيكون موجَّهًا تأويلُ الآية إلى ما روي عن ابن مسعود ومجاهد ومن قال بمثل قولهما فيه" (?). والله تعالى أعلم.
قوله تعالى: {فَإِمْسَاكُ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 229]، "أي ليس لكم بعد المرتين إلا الإمساك بالمعروف" (?).
قال الصابوني: أي: "وليس بعدهما إلا المعاشرة بالمعروف مع حسن المعاملة" (?).
قال الشوكاني: " أي فأمساك بعد الرجعة لمن طلقها زوجها طلقتين بمعروف أي بما هو معروف عند الناس من حسن العشرة" (?).
قال ابن عثيمين: " فعليكم إمساك بمعروف، أي: بما يتعارفه الناس من العشرة الطيبة الحسنة -" (?).
قال الضحاك: "المعروف: أن يحسن صحبتها" (?).
قال ابن عباس: " ليتق الله في التطليقة الثالثة، فإما أن يمسكها بمعروف فيحسن صحابتها " (?).
قوله تعالى: {أَوْ تَسْرِيحُ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229]، أي: "أو الطلاق بإحسان" (?).
قال الشوكاني: " أي بترك الرجعة بعد الثانية حتى تنقضي عدتها" (?).
قال الصابوني: يعني: "بألا يظلمها من حقها شيئاً ولا يذكرها بسوء ولا ينفّر الناس عنها" (?).
قال ابن عثيمين: " أي إطلاق لهن؛ وهو كقوله تعالى في سورة الطلاق: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2]؛ والمراد بـ (الإحسان) هنا أن يمتعها بشيء يجبر كسرها، ويطيب قلبها" (?).
قال ابن عباس: " يسرحها، ولا يظلمها من حقها شيئًا" (?).
قال السدي: " الإحسان: أن يوفيها حقها، فلا يؤذيها، ولا يشتمها" (?).
قال الضحاك: " التسريح بإحسان: أن يدعها حتى تمضي عِدَّتها، ويعطيها مهرًا إن كان لها عليه إذا طلَّقها. فذلك التسريح بإحسان، والمتعة على قَدْر الميسرة" (?).