والثاني: أن (الشيطان) مأخوذ من الفعل (شاط)، وعلى هذا الاشتقاق يكون على وزن فعلان، والنون فيه زائدة، بمعنى: احترق من الغضب، فهو من: شاط يشيط، وتشيط: إذا لفحَته النار فاحترق أو هلك، مثل هيمان وغيمان، مِن هام وغام (?)، فسمي الشيطان سمي شيطانا، لغيه وهلاكه (?)، قال الأعشى (?):
وَنَطْعَنُ الْعَيْرَ فِي مَكْنُونِ فَائِلِهِ ... وَقَدْ يَشِيطُ عَلَى أَرْمَاحِنَا الْبَطَلُ
أراد: وقد يهلك على أرماحنا (?).
وذكر ابن الأثير أن نون (الشيطان) إذا جعلت أصلية كان من الشطن وهو: البعد عن الخير، أو الحبل الطويل، كأنه طال في الشر، وإن جعلت زائدة كان من شاط يشيط: إذا هلك، أو من استشاط غضباً، إذا احتد في غضبه والتهب، قال: والأول أصح (?)، وذكر ابن كثير أن من العلماء من صحح المعنيين مع قولهم بأن الأول أصح (?).
والشطن: البعد، ومنه شطنت داره، أي بعدت، ويقال: نوى شطون أي بعيدة، وبئر شطون: أي بعيدة القعر، ويقال للحبل شطن سمي بذلك لطوله، وجمعه أشطان، وفي الحديث: «كُلُّ هَوىً شَاطِنٌ فِي النَّارِ» (?) (?).
قال ابن قتيبة: "الشاطن البعيد عن الحق" (?).
قال محمد بن إسحاق: " إِنَّمَا سمي شَيْطَانا لِأَنَّهُ شطن عَن أَمر ربه. والشطون: الْبعيد النازح " (?).
وقال أبو عبيد: "الشيطان كل عات متمرد من إنس، أو جن" (?)، أو دابة، قال جرير (?):
أيامَ يدعُونني الشَيْطانَ من غَزَلٍ ... وهُنَّ يَهْوَيْنَني إذْ كنتُ شَيْطانا
ويدل على ذلك قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيا عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [الأنعام: 112]، وكذا قوله: {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ} [البقرة: 14]، أي أصحابهم من الجن والإنس، وقوله تعالى: (وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ} [الأنعام: