الثالث: أن المراد من الآية: النهي عن الجرأة على الله بكثرة الحلف به؛ لأن مَن أكثر من ذكر شيء في معنى من المعاني فقد جعله عرضة له ولذا قال الله-عز وجل-: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: 89]، وقال سبحانه ذاماً مَنْ أكثر مِن اليمين {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ} [القلم: 10]، والعرب تمتدح بقلة الأيمان، حتى قال قائلهم (?):

قليل الألايا حافظ ليمينه ... وإن صدرت منه الألية برت

قال القرطبي: " وعلى هذا" أن تبروا" معناه: أقلوا الأيمان لما فيه من البر والتقوى، فإن الإكثار يكون معه الحنث وقلة رعي لحق الله تعالى، وهذا تأويل حسن" (?).

وقال مالك بن أنس: "بلغني أنه الحلف بالله في كل شيء" (?).

والرابع: أن المراد: النهي عن أن يحلف الرجل بالله ليفعلن الخير والبر، فيقصد في قيامه بفعل الخير البرُ في يمينه وعدم الحنث فيها لا الرغبة في القيام بالبر والمسابقة في الخيرات، وعرضة هنا بمعنى مفعول من العرض أيضاً.

والخامس: وقيل: المعنى لا تجعلوا اليمين مبتذلة في كل حق وباطل (?).

والسادس: وقيل: أن المعنى: لا تحلفوا بالله كاذبين لتتقوا المخلوقين وتبروهم وتصلحوا بينهم بالكذب، روى هذا المعنى عطية عن ابن عباس، و {عرضة} أيضاً هنا بمعنى مفعول من العرض أيضاً (?).

والصواب أن "معنى ذلك: لا تجعلوا الحلف بالله حجة لكم في ترك فعل الخير فيما بينكم وبينَ الله وبين الناس، وهذا اختيار جمهور أهل التفسير. والله تعالى أعلم.

كما أن الأقوال السابقة محتملة جميعا، ولكن القول الأول أظهرها؛ إذ يشهد له ويقويه قوله صلى الله عليه وسلم، لعبد الرحمن ابن سمرة-: "والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني" (?).

وقوله صلى الله عليه وسلم: "من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأتها وليكفر عن يمينه" (?).

وقوله صلى الله عليه وسلم: " من حلف على يمين ثم رأى أتقى لله منها فليأت التقوى" (?) وغيرها.

كما يدل عليه سبب النزول على اختلاف فيه وضعف (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015