والثاني: لجعل ما أصبتم من أموال اليتامى موبقاً، وهو قول ابن عباس (?).
والقولان، وإن اختلفت ألفاظ قائليها، فإنهما متقاربان في المعاني، والآية تحتمل المعنيين، لأن (الإعنات): "الحمل على مشقة لا تطاق ثقلاً" (?)، وإن " من حُرِّم عليه شيء فقد ضُيِّق عليه في ذلك الشيء، ومن ضُيق عليه في شيء فقد أحْرِج فيه، ومن أحرج في شيء أو ضيِّق عليه فيه فقد جُهِد. وكل ذلك عائد إلى معنى: الشدة والمشقة" (?).
وإن كان والقول الأول الأقرب لسياق الآية، وهو قول جمهور أهل التفسير. والله تعالى أعلم.
وقرئ: {لعنتكم}، بطرح الهمزة وإلقاء حركتها على اللام (?).
قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة: 220]، أي: "هو تعالى الغالب الذي لا يمتنع عليه شيء، الحكيم فيما يشرع لعباده من الأحكام" (?).
قال القاسمي: " أي: غالب على ما أراد حَكِيمٌ أي: فاعل لأفعاله حسبما تقتضيه الحكمة الداعية إلى بناء التكليف على أساس الطاقة" (?).
قال الطبري: أي: " إن الله {عزيز} في سلطانه، {حكيم} في أحكامه وتدبيره" (?).
قال البيضاوي: أي: " غالب يقدر على الاعنات. حَكِيمٌ يحكم ما تقتضيه الحكمة وتتسع له الطاقة" (?).
قال ابن عثيمين: " هذه الجملة {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}، تعليل لما سبق من قوله تعالى: {ولو شاء الله لأعنتكم كأنه قال: ولو شاء الله لأعنتكم؛ لأن له العزة، والحكم؛ و (العزيز)، و (الحكيم) اسمان من أسماء الله تقدم معناهما، وأنواعهما" (?).
الفوائد:
1 - سؤال الصحابة رضي الله عنهم عن اليتامى كيف يعاملونهم؛ وهذا السؤال ناتج عن شدة خوف الصحابة رضي الله عنهم فيما يتعلق بأمور اليتامى؛ لأن الله تعالى توعد من يأكلون أموال اليتامى ظلماً، وقال تعالى: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن}.
2 - ومنها: مراعاة الإصلاح فيمن ولاه الله على أحد.
3 - ومنها: أن الإنسان إذا راعى ما يرى أنه أصلح، ثم لم يكن ذلك فإنه لا شيء عليه؛ لأن الإنسان إنما يؤاخذ بما يدركه؛ لا بما لا يدركه.
4 - ومنها: فضيلة الإصلاح في الولايات، وغيرها؛ لقوله تعالى: {قل إصلاح لهم خير}؛ فإن المقصود بهذه الجملة الحث على الإصلاح.
5 - ومنها: جواز مخالطة الأيتام في أموالهم؛ لقوله تعالى: {وإن تخالطوهم فإخوانكم}.
قال القرطبي: " لما أذن الله جل وعز في مخالطة الأيتام مع قصد الإصلاح بالنظر إليهم وفيهم كان ذلك دليلا على جواز التصرف في مال اليتيم، تصرف الوصي في البيع والقسمة وغير ذلك، على الإطلاق لهذه