لذا أنزل القرآن مفرقًا فحصلت النتيجة المطلوبة وهي التغير في العادات من حسن إلى أحسن ومن شر إلى خير ومن تفرق في الكلمة إلى اتحاد واعتصام بحبل الله المتين فكانت خير الأمم.
القرآن
{فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220)} [البقرة: 220]
التفسير:
يسألك المسلمون -أيها النبي- عن حكم تعاطي الخمر شربًا وبيعًا وشراءً، والخمر كل مسكر خامر العقل وغطاه مشروبًا كان أو مأكولا ويسألونك عن حكم القمار -وهو أَخْذُ المال أو إعطاؤه بالمقامرة وهي المغالبات التي فيها عوض من الطرفين-، قل لهم: في ذلك أضرار ومفاسد كثيرة في الدين والدنيا، والعقول والأموال، وفيهما منافع للناس من جهة كسب الأموال وغيرها، وإثمهما أكبر من نفعهما؛ إذ يصدَّان عن ذكر الله وعن الصلاة، ويوقعان العداوة والبغضاء بين الناس، ويتلفان المال. وكان هذا تمهيدًا لتحريمهما. ويسألونك عن القَدْر الذي ينفقونه من أموالهم تبرعًا وصدقة، قل لهم: أنفقوا القَدْر الذي يزيد على حاجتكم. مثل ذلك البيان الواضح يبيِّن الله لكم الآيات وأحكام الشريعة؛ لكي تتفكروا فيما ينفعكم في الدنيا والآخرة. ويسألونك -أيها النبي- عن اليتامى كيف يتصرفون معهم في معاشهم وأموالهم؟ قل لهم: إصلاحكم لهم خير، فافعلوا الأنفع لهم دائمًا، وإن تخالطوهم في سائر شؤون المعاش فهم إخوانكم في الدين. وعلى الأخ أن يرعى مصلحة أخيه. والله يعلم المضيع لأموال اليتامى من الحريص على إصلاحها. ولو شاء الله لضيَّق وشقَّ عليكم بتحريم المخالطة. إن الله عزيز في ملكه، حكيم في خلقه وتدبيره وتشريعه.
في قوله تعالى: {فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ} [البقرة: 220]، ثلاثة أوجه من التفسير (?):
أحدهما: أنه يتعلق بـ {تَتَفَكَّرُونَ}، فيكون المعنى: {لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} [البقرة: 220]، فيما يتعلق بالدارين فتأخذون بما هو أصلح لكم كما بينت لكم أنّ العفو أصلح من الجهد في النفقة، وتتفكرون في الدارين فتؤثرون أبقاهما وأكثرهما منافع.
والثاني: أن يكون إشارة إلى قوله: (وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما} [البقرة: 219]، لتتفكروا في عقاب الإثم في الآخرة والنفع في الدنيا، حتى لا تختاروا النفع العاجل على النجاة من العقاب العظيم.
والثالث: أن يتعلق بـ {يُبَيِّنُ} على معنى: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ} في أمر الدارين وفيما يتعلق بهما لعلكم تتفكرون.
قال القرطبي: " والآية متصلة بما قبل، لأنه اقترن بذكر الأموال الأمر بحفظ أموال اليتامى" (?).
وفى الانتهاء بفاصلة الآية السابقة عند قوله تعالى: {تَتَفَكَّرُونَ} [البقرة: 220]، ثم بدء الآية بعدها بقوله سبحانه: {فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ} [البقرة: 221]، فى هذا الأسلوب القرآني تحريض على استحضار العقل دائما، ودعوته إلى النظر المطلق فى رحاب هذا الكون، وفى كل ما يدور فى فلك الحياة .. ثم يجىء بعد هذا، النظر إلى أمور الدنيا فى مواجهة الآخرة، وما يدّخر منها لهذا اليوم العظيم، وعندئذ يجىء النظر صائبا، ويقع متمكنا، بعد أن يكون العقل قد دار دورته الشاملة فى هذا الكون الرحيب! ! (?).
وقد اختلف أهل التأويل في سبب نزول الآية على أقوال (?):