ذكره غيرُ واحدٍ، وذكروا من حديث ابنِ سيرين عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "فاتحةُ الكتابِ شفاءٌ من كلِّ داءِ" (?)، وفي رواية: "من كل شيء إلا السَّامَ" (?)، وهو الموت، وقيل: إن الدارمي خرَّجه (?)، وروي مرسلا عن عبد الملك بن عمير أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "في فاتحة الكتاب: شفاء من كل داء" (?)، وأخرج سعيد بن منصور والبيهقي وغيرهما من حديث أبي سعيد الخدري: "فاتحة الكتاب شفاء من السم" (?).
وتُسمَّى "الشافية" أيضًا.
قال الرَّازيُّ: "وأقول: الأمراضُ منها ما هو روحانيَّة، ومنها ما هو جسمانيَّة، بدليل تسميتِه تعالى الكفرَ مرضًا، في قولِه تعالى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ}] البقرة: 10]، وهذه السورة مشتملةٌ على معرفةِ الأصول والفروع والمكاشفات، فهي في الحقيقة شفاءٌ، بل الشفاءُ (?) في هذه المقامات الثلاثة" (?).
وقال ابن القيم: "فقد أثر هنا الدواء في هذا الداء وأزاله، حتى كأنه لم يكن، وهو أسهل دواء وأيسَره، ولو أحسن العبد التداوي بالفاتحة لرأى لها تأثيراً عجيباً في الشفا، ومكثت بمكة مدة تعتريني أدواء، ولا أجد طبيباً ولا دواء، فكنت أعالج نفسي بالفاتحة، فأرى لها تأثيراً عجيباً، فكنت أصف ذلك لمن يشتكي ألماً، فكان كثير منهم يبرأ سريعاً" (?).
ولكن هاهنا أمر ينبغي التفطن له، وهو أن الأذكار والآيات أو الأدعية التي يُستشفى بها، ويُرقى بها هي نفسها نافعة شافعة، ولكن تستدعي قبول المحل، وقوة همة الفاعل، وتأثيرَه، فمتى تخلف الشفاء كان لضعف تأثير الفاعل، أو لعدم قبول المنفعل، أو لمانع قوي فيه يمنع أن ينجح فيه الدواء، كما يكون ذلك في الأدوية والأدواء الحسية، فإن عدم تأثيرها قد يكون لعدم قبول الطبيعة (أي طبيعة البدن) لذلك الدواء، وقد يكون لمانع قوي يمنع من اقتضائه أثره، فإن الطبيعة (أي الأجسام) إذا أخذت الدواء لقبول تام كان انتفاع البدن به بحسب ذلك القبول، فكذلك القلب إذا أخذ الرقى والتعاويذ بقبول تام، وكان للراقي نفسٌ فعالة، وهمة مؤثرة في إزالة الداء.
حُكِي عن سفيان بنِ عُيينَةَ، لأنَّها لا تقبلُ الحذف، فلا بدَّ من الإتيان بها وافيةً تامَّةً، وقال الزَّمخشريُّ: إنَّما سُمِّيت وافيةً لاشتمالِها على المعاني التي في القرآن من الثناء على الله عزَّ وجلَّ بما هو أهلُه، ومن التعبُّد بالأمرِ والنَّهي، ومن الوعد والوعيد (?).