الزمخشري في تفسيره المسمى بالكشاف، ولولا اعتزاله وانتصاره في كتابه للمعتزلة لكان كتاباً حافلاً، ومن المعاصرين الطاهر بن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير فقد جمع ما لم يجمعه غيره مستفيداً مِنْ مَنْ سبقه كثيراً، وهذا الاتجاه في التفسير تابع للتفسير بالدراية وسيسلط الباحث الأضواء عليه؛ كون هذه الدراسة التي نحن بصددها هي في التفسير البلاغي.

أهمية التفسير البلاغي:

وللتفسير البلاغي أهمية كبيرة نذكر منها:

1 - الوقوف على معجزة القرآن الكريم البلاغية التي تحدى بها الله تعالى العرب.

قال ابن عاشور: "فإعجاز القرآن متوجه إلى العرب إذ هو معجز لفصحائهم، وخطبائهم، وشعرائهم، مباشرة، ومعجز لعامتهم بواسطة إدراكهم أن عجز مقارعيه عن معارضته مع توفر الدواعي عليه، فهذا برهان ساطع على أنه تجاوز طاقة جميعهم، ثم هو بذلك دليل على صدق المُنَزَّلِ عليه لدى بقية البشر الذين بلغ إليهم صدى عجز العرب بلوغا لا يستطاع إنكاره لمعاصريه بتواتر الأخبار، ولمن جاء بعدهم بشواهد التأريخ، كما أنه معجزة مستمرة على تعاقب السنين؛ لأنه قد يدرك إعجازه العقلاء من غير الأمة العربية بواسطة ترجمة معانيه التشريعية، والحكمية والعلمية، والأخلاقية، وهو دليل تفصيلي لأهل تلك المعاني، وإجمالي لمن تبلغه شهادتهم بذلك" (?).

2 - توجيه التفسير للألفاظ والجمل القرآنية بما يرفع الإشكال ويوضح المعنى.

ومثال ذلك: "لما جلس أبو عبيدة معمر بن المثنى (?) لدروس العلم في المسجد جاءه رجل يقول له: إن العرب حين تستعمل أسلوب التشبيه فإنها تشبه مجهولاً بمعلوم حتى يتضح المجهول فما بال القرآن يشبه مجهولاً بمجهول في قوله تعالى عن شجرة الزقوم: {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ} [الصَّفات: 65]، فنحن لم نر طلع الشجرة فهي مجهولة لدينا، ورؤوس الشياطين أيضًا مجهولة لنا حيث لم نر شيطانًا، فكيف وقع هذا في القرآن؟

فرد عليه معمر بأن العرب تكتفي بالصورة الذهنية عن الصورة المشاهدة، ورأس الشيطان صورته في الذهن العربي صورة كريهة مخيفة مرعبة، فشبه به شجرة الزقوم، ومن هنا نشأ علم البلاغة لخدمة أساليب القرآن الكريم" (?).

3 - فهم المعاني القرآنية من خلال معرفة القرائن وسياق النص ولهجات العرب.

فالكلمة الواحدة والجملة الواحدة قد تحمل مدلولين متناقضين تماماً، دون أن تختلف الكلمة في بنائها الداخلي، وإنما الذي تغير هو (السياق) والقرائن المحيطة، فقد يقول الأب لابنه:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015