قال الطبري: "فإذْ كان صحيحا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ذكرنا من غَسل عائشة رأسه وهو معتكف، فمعلوم أن المراد بقوله: " ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد "، غيرُ جميع ما لزمه اسم " المباشرة " وأنه معنيٌّ به البعض من معاني المباشرة دون الجميع. فإذا كان ذلك كذلك، وكان مجمَعًا على أنّ الجماع مما عُني به، كان واجبا تحريم الجماع على المعتكف وما أشبهه، وذلك كلُّ ما قام في الالتذاذ مقامه منَ المباشرة" (?).

قوله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا} [البقرة: 187]؛ "أي تلك أوامر الله وزواجره وأحكامه التي شرعها لكم فلا تخالفوها" (?).

قال النسفي: أي "أحكامه المحدودة، فلا تقربوها بالمخالفة والتغيير" (?).

قال البيضاوي: " أي الأحكام التي ذكرت، {فَلا تَقْرَبُوها}، نهى أن يقرب الحد الحاجز بين الحق والباطل لئلا يداني الباطل، فضلاً عن أن يتخطى عنه" (?).

قال الضحاك: " {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ}، يقول: معصية الله - يعني المباشرةَ في الاعتكاف (?).

قال ابن كثير: " أي هذا الذي بيناه، وفرضناه، وحددناه من الصيام، وأحكامه، وما أبحنا فيه وما حرّمنا، وذِكْر غاياته ورخصه وعزائمه، حدود الله، أي: شرعها الله وبيَّنها بنفسه، فلا تجاوزوها، وتعتدوها" (?).

قال المراغي: " أي إن هذه الأحكام المشتملة على الإيجاب والتحريم والإباحة هى حدود الله وأحكامه فلا تقربوها، إذ من قرب من الحد أو شك أن يتعداه كالشاب يداعب امرأته في النهار يوشك ألا يملك إربه، فيقع في المباشرة المحرّمة، أو يفسد صومه بالإنزال، فالاحتياط يقتضى ألا يقرب الحدّ حتى لا يتجاوزه بالوقوع فيما بعد" (?).

قال ابن عثيمين: " وإنما نهى عن قربانها حتى نبعد عن المحرم، وعن وسائل المحرم؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد؛ وكم من إنسان حام حول الحمى فوقع فيه؛ ولهذا قال تعالى: {فلا تقربوها}؛ فالمحرمات ينبغي البعد عنها، وعدم قربها" (?).

والـ {حُدُودُ}: "جمع حد؛ و (الحد) في اللغة المنع؛ ومنه حدود الدار؛ لأنها تمنع من دخول غيرها فيها؛ فمعنى {حُدُودُ اللَّهِ} أي موانعه؛ واعلم أن حدود الله نوعان:

أحدهما: حدود تمنع من كان خارجها من الدخول فيها؛ وهذه هي المحرمات؛ ويقال فيها: {فلا تقربوها}.

والثاني: وحدود تمنع من كان فيها من الخروج منها؛ وهذه هي الواجبات؛ ويقال فيها: {فلا تعتدوها} " (?).

وقد تعددت أقوال اهل العلم في تفسير قوله تعالى {حُدُودُ اللَّهِ} [البقرة: 187]، وفيه أربعة أقوال:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015