والتقوى: "اسم جامع لفعل الطاعات وترك المنكرات" (?).

وفي قوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 179]، تفسيران (?):

أحدهما: أن المراد: لعلكم تتقون نفس القتل بخوف القصاص. قاله الحسن والأصم.

والثاني: أن المراد هو التقوى من كل الوجوه وليس في الآية تخصيص للتقوى.

قال الرازي: وحمل القول "على الكل أولى: ومعلوم أن الله تعالى إنما كتب على العباد الأمور الشاقة من القصاص وغيره لأجل أن يتقوا النار باجتناب المعاصي ويكفوا عنها، فإذا كان هذا هو المقصود الأصلي وجب حمل الكلام عليه" (?).

واختاره القرطبي، فقال: "والمراد هنا {تَتَّقُونَ} القتل فتسلمون من القصاص، ثم يكون ذلك داعية لأنواع التقوى في غير ذلك، فإن الله يثيب بالطاعة على الطاعة" (?).

والصواب ما اختاره الرازي والقرطبي، وهو قول جمهور أهل التفسير، لما يعضده من الأخبار، فقد روي عن ابن زيد في قوله: {لعلكم تتقون}، قال، "لعلك تَتقي أن تقتله، فتقتل به" (?).

الفوائد:

1 - من فوائد الآية: الحكمة العظمى في القصاص؛ وهي الحياة الكاملة؛ لقوله تعالى: {ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب}.

فإن قيل: كيف يكون لنا في القصاص حياة مع أننا قتلنا القاتل؛ فزدنا إزهاق نفس أخرى؟ .

فالجواب: نعم؛ يكون لنا في القصاص حياة بأن القتلة إذا علموا أنه سيقتص منهم امتنعوا عن القتل؛ فكان في ذلك تقليل للقتل، وحياة للأمة؛ ولهذا جاءت منكرة للدلالة على عظم هذه الحياة؛ فالتنكير هنا للتعظيم - يعني حياة عظيمة شاملة للمجتمع كله؛ أما بالنسبة للقاتل فيقتل؛ لكن قتل القاتل حياة للجميع.

2 - ومن فوائد الآية: أن يُفعل بالجاني كما فَعل؛ لأن بذلك يتم القصاص؛ فإذا قتل بسكين قُتل بمثلها؛ أو بحجر قُتل بمثله؛ أو بسمّ قُتل بمثله؛ وهكذا.

3 - ومنها: أن كون القصاص حياة يحتاج إلى تأمل وعقل، لقوله تعالى: {يا أولي الألباب}.

4 - ومنها: أنه يجب على الإنسان أن يؤمن بأحكام الشريعة دون تردد؛ وإذا رأى ما يستبعده في بادئ الأمر فليتأمل وليتعقل حتى يتبين له أنه عين الحكمة، والمصلحة؛ ولهذا قال تعالى: {يا أولي الألباب}؛ فأتى بالنداء المقتضي للانتباه.

5 - ومنها: أن من فوائد القصاص أن يتقي الجناة القتل؛ لقوله تعالى: {لعلكم تتقون} [البقرة: 21]؛ واتقاؤهم للقتل من تقوى الله.

6 - احتجت المعتزلة بهذه الآية على فساد قول أهل السنة في قولهم: إن المقتول لو لم يقتل لوجب أن يموت، فقالوا إذا كان الذي يقتل يجب أن يموت لو لم يقتل، فهب أن شرع القصاص يزجر من يريد أن يكون قاتلا عن الإقدام على القتل، لكن ذلك الإنسان يموت سواء قتله هذا القاتل أو لم يقتله، فحينئذ لا يكون شرع القصاص مفضيا إلى حصول الحياة.

فإن قيل: أنا إنما نقول فيمن قتل لو لم يقتل كان يموت لا فيمن أريد قتله ولم يقتل فلا يلزم ما قلتم، قلنا أليس إنما يقال فيمن قتل لو لم يقتل كيف يكون حاله؟ فإذا قلتم: كان يموت فقد حكمتم في أن من حق كل وقت صح وقوع قتله أن يكون موته كقتله، وذلك يصحح ما ألزمناكم لأنه لا بد من أن يكون على قولكم المعلوم أنه لو لم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015