وقد اختلف الفقهاء في مقدار ما يحل للمضطر أكله من الميتة، على قولين (?):
أحدهما: له أن يأكل منها مقدار ما يمسك به رمقه، وهو أحد قولي الشافعي واختيار المزني.
والثاني: أن يأكل منها حتى يشبع.
قال مقاتل بن حيان: "لا يزداد على ثلاث لقم" (?).
قال الشيخ ابن عثيمين: والله سبحانه وتعالى أباح لنا الميتة بثلاثة شروط (?):
1 - الضرورة.
2 - أن لا يكون مبتغياً – أي طاباً لها -.
3 - أن لا يكون متجاوزاً للحد الذي تندفع به الضرورة.
وبناءً على هذا ليس له أن يأكل حتى يشبع إلا إذا كان يغلب على ظنه أنه لا يجد سواها عن قرب؛ وهذا هو الصحيح؛ ولو قيل: بأنه في هذه الحال يأكل ما يسد رمقه، ويأخذ شيئاً منها يحمله معه - إن اضطر إليه أكل، وإلا تركه - لكان قولاً جيداً.
وفي أصل (البغي) في اللغة أقوال (?):
أحدها: الفساد، وتجاوز الحد. قال الليث: "البغي في عدو الفرس اختيال ومروح، وأنه يبغي في عدوه ولا يقال: فرس باغ" (?).
قال الزجاج: "يقال: بغى الجرح يبغي بغيا، إذا ترامى إلى فساد، هذا إجماع أهل اللغة" (?).
قال الأصمعي: " يقال: بغى الجرح يبغي بغيا: إذا ترامى بالفساد" (?).
والثاني: الظلم والخروج عن الإنصاف. ومنه قوله تعالى: {والذين إذا أصابهم البغى هم ينتصرون} [الشورى: 39].
قال الأصمعي: يقال: " بغت السماء: إذا كثر مطرها حتى تجاوز الحد" (?).
الثالث: الطلب. والعرب تقول خرج الرجل في بغاء إبلٍ له، أي في طلبها، ومنه قول الشاعر (?):
لا يمنعنّك من بغاء الخير تعقادُ التمائم ... إن الأشائم كالأيامن، والأيامن كالأشائم
قال الزجاج: " ويقال: ابتغى لفلان أن يفعل كذا: أي صلح له أن يفعل كذا وكأنه قال: طلب فعل كذا فانطلب له، أي طاوعه، ولكن اجتزئ بقولهم - ابتغى" (?).
وقوله {ولا عاد}، فـ (العدو): "هو التعدي وتجاوز ما ينبغي له أن يقتصر عليه، يقال: عدا عليه عدوا وعدوا وعدوانا وعدا واعتداء وتعديا: ظلمه ظلما مجاوزا للقدر، وعدا طوره: جاوز قدره" (?).
قوله تعالى: {فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173]، "أي: فلا عقوبة عليه" (?).