قال المفسرون: "هذا أمر إباحة لا ندب، ولا إيجاب، وأراد بالطيبات: الحلالات من الحرث والنعم وما حرمه المشركون على أنفسهم منها" (?).

وقد اختلف في دلالة: {مِن} هنا على قولين (?):

أحدهما: الظاهر أنها لبيان الجنس؛ والمراد بـ (الطيب): الحلال في عينه، وكسبه.

والثاني: وقيل: أنها للتبعيض، والمراد بـ (الطيب): المستلذ، والمستطاب.

قال صاحب الكشاف: قوله: " {مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ}، من مستلذاته، لأنّ كل ما رزقه اللَّه لا يكون إلا حلال" (?).

قلت: وهذا عند المعتزلة. أما عند أهل السنة فقد يكون حراما (?).

قوله تعالى: {وَاشْكُرُوا لِلَّهِ} [البقرة: 172]، " أي واشكروا الله على نعمه" (?).

قال الثعلبي: أي: " على نعمته" (?).

قال البقاعي: أي: "وخصوا شكركم بالمنعم الذي لا نعمة إلا منه، وهذا بخلاف ما يأتي في سورة المؤمنين خطاباً لأعلى طبقات الخلّص وهم الرسل" (?).

قال الرازي: " قوله: {واشكروا الله} أمر: وليس بإباحة فإن قيل: الشكر إما أن يكون بالقلب أو باللسان أو بالجوارح، أما بالقلب فهو إما العلم بصدور النعمة عن ذلك المنعم، أو العزم على تعظيمه باللسان وبالجوارح، أما ذلك العلم فهو من لوازم كمال العقل، فإن العاقل لا ينسى ذلك فإذا كان ذلك العلم ضروريا فكيف يمكن إيجابه، وأما العزم على تعظيمه باللسان والجوارح فذلك العزم القلبي مع الإقرار بالسان والعمل بالجوارح، فإذا بينا أنهما لا يجيبان كان العزم بأن لا يجب أولى، وأما الشكر باللسان فهو إما أن يقر بالاعتراف له بكونه منعما أو بالثناء عليه فهذا غير واجب بالاتفاق بل هو من باب المندوبات، وأما الشكر بالجوارح والأعضاء فهو أن يأتي بأفعال دالة على تعظيمه، وذلك أيضا غير واجب، وإذا ثبت هذا فنقول: ظهر أنه لا يمكن القول بوجوب الشكر قلنا الذي تلخص في هذا الباب أنه يجب عليه اعتقاد كونه مستحقا للتعظيم وإظهار ذلك باللسان أو بسائر الأفعال إن وجدت هناك تهمة" (?).

و(الشكر) في اللغة: الثناء؛ وفي الشرع: القيام بطاعة المنعم؛ وإنما فسرناها بذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً}، وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله} " (?)؛ فالشكر الذي أُمر به المؤمنون بإزاء العمل الصالح الذي أُمر به المرسلون؛ والقرآن يفسر بعضه بعضاً (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015