4 - ومنها: أن المشركين مخلدون في النار لا يخرجون منها؛ لقوله تعالى: {وما هم بخارجين من النار}؛ وقد ذكر الله سبحانه وتعالى الخلود الأبدي في النار في ثلاثة مواضع من القرآن: في سورة النساء؛ وفي سورة الأحزاب؛ وفي سورة الجن؛ وبه يبطل قول من ادعى أن النار تفنى؛ لأن خلود الماكث الأبدي يدل على خلود مكانه.

5 - ومنها: إثبات النار، وأنها حق.

القرآن

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168)} [البقرة: 168]

التفسير:

يا أيها الناس كلوا من رزق الله الذي أباحه لكم في الأرض، وهو الطاهر غير النجس، النافع غير الضار، ولا تتبعوا طرق الشيطان في التحليل والتحريم، والبدع والمعاصي. إنه عدو لكم ظاهر العداوة.

في سبب نزول الآية قولان:

أحدهما: قال الواحدي: "قال الكلبي عن أبي صالح: نزلت في ثقيف وخزاعة وعامر بن صعصعة حرموا على أنفسهم من الحرث والأنعام وحرموا البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي" (?).

وذكره الرازي عن ابن عباس" (?).

وقال مقاتل: " نزلت في ثقيف، وفي بني عامر بن صعصعه، وخزاعة، وبني مدلج، وعامر، والحارث ابني عبد مناة" (?).

ونقل ابن عطية عن النقاش: أنها "نزلت في ثقيف وخزاعة وبني الحارث بن كعب" (?).

والثاني: قال ابن حجر: "قال ابن ظفر: ورُوي عن عطاء أنها نزلت في المؤمنين، وقيل في عثمان بن مظعون وأصحابه الذين عزموا على الترهب" (?).

وهذه الآية جاءت في سورة البقرة؛ وسورة البقرة مدنية؛ وقد سبق أنه جاء أيضاً مثلها: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم} [البقرة: 21]؛ وقد ذكر كثير من المؤلفين في أصول التفسير أن الغالب في السور المدنية أن يكون الخطاب فيها بـ {يا أيها الذين آمنوا} [البقرة: 104]؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة صارت المدينة بلاد إسلام؛ وهي أول بلد إسلامي يحكمه المسلمون في هذه الرسالة؛ فصار التوجه إليها بالخطاب بـ {يا أيها الذين آمنوا}؛ لكنها ليست قاعدة؛ ولكنها ضابط يخرج منه بعض المسائل؛ لأن من السور المدنية فيها {يا أيها الناس}، كسورة النساء، وسورة الحجرات (?).

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا} [البقرة: 168]، أي: يا أيها الناس "كلوا ممّا أحله الله لكم من الطيبات حال كونه مستطاباً في نفسه غير ضار بالأبدان والعقول" (?).

قال ابن كثير: "أي: كلوا من هذا ما شئتم؛ ويشمل كل ما في الأرض من أشجار، وزروع، وبقول، وغيرها؛ ومن حيوان أيضاً؛ لأنه في الأرض" (?).

قال الزجاج: " أي: لا تأكلوا مما يحرم" (?).

قال الواحدي معلقا على كلام الزجاج: " فعلى هذا: المعنى: كلوا حلالا من حيث يحل لكم، فأما أن يأكل مال غيره فهو حلال في جنسه، ولكن ليس يحل له أكله، فهو حلال وليس مما يطيب له" (?).

و{النَّاسُ} أصلها: " (الأناس)؛ وحذفت الهمزة منها تخفيفاً؛ والمراد بـ {الناس} بنو آدم" (?).

و{حَلَالًا طَيِّبًا}، أي: "مستطابًا في نفسه غير ضار للأبدان ولا للعقول" (?).

قال القرطبي: " وسمي الحلال حلالا، لانحلال عقدة الحظر عنه" (?).

قال الواحدي: وأصل (الحلال): " من الحل الذي هو نقيض العقد، ومعنى الحلال: المباح الذي انحلت عقدة الحظر عنه. ومنه: حل بالمكان، إذا نزل به؛ لأنه حل شد الارتحال للنزول. وحل الدين: إذا وجب؛ لانحلال العقدة بانقضاء المدة، وحل من إحرامه؛ لأنه حل عقدة الإحرام. وحلت عليه العقوبة، أي: وجبت، لانحلال العقدة المانعة من العذاب، والحلة: الإزار والرداء؛ لأنها تحل عن الطي للبس، ومن هذا: تحلة اليمين؛ لأن عقدة اليمين تنحل به" (?).

والطيب في اللغة: "الطاهر، والحلال يوصف بأنه طيب؛ لأن الحرام يوصف بأنه خبيث، قال الله تعالى: {قل لا يستوي الخبيث والطيب} [المائدة: 100]. والأصل في الطيب: هو ما يستلذ ويستطاب، ووصف به الطاهر والحلال على جهة التشبيه؛ لأن النجس تكرهه النفس فلا يستلذ، والحرام غير مستلذ؛ لأن الشرع يزجر عنه" (?).

وفي قوله تعالى: {حلالًا طيباً} [البقرة: 168]، وجهان (?):

أحدهما: أنها منصوبة على الحال من «ما»؛ أي كلوه حال كونه حلالاً - أي محللاً -؛ فهي بمعنى اسم المفعول؛ و {طيباً} حال أخرى - يعني: حال كون طيباً - مؤكد لقوله تعالى: {حلالًا}.

والثاني: ويحتمل أن يكون المراد بـ «الحلال» ما كان حلالاً في كسبه؛ وبـ «الطيب» ما كان طيباً في ذاته (?)؛ لقول الله سبحانه وتعالى: {وأحل الله البيع} [البقرة: 275]، وقوله تعالى في الميتة، ولحم الخنزير: {فإنه رجس} [الأنعام: 145].

قال ابن عثيمين: وهذا القول الأخير أولى؛ لأن حمل الكلام على التأسيس أولى من حمله على التوكيد" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015