كما قال تعالى عن العبد الصالح: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}، وقد ثبت في صحيح البخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فسر قوله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} قال: " بشرك" (?)، ثم تلا قول لقمان: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}، وقال تعالى: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} [يونس: 106]، أي: "من المشركين بالله، الظالمي أنفسهم" (?).
ولم يأت الظلم في القرآن إلا بهذا المعنى، إلا في موضع واحد في سورة الكهف، بمعنى النقص، كما قال تعالى {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا} [الكهف: 33]، أي و"لم تنقص" (?).
وقيل: {أن}: "في موضع نصب مفعول من أجله، أي لأن القوة لله جميعا. وأنشد سيبويه (?):
وأغفر عوراء الكريم ادخاره ... وأعرض عن شتم اللئيم تكرما
أي لادخاره، والمعنى: ولو ترى يا محمد الذين ظلموا في حال رؤيتهم للعذاب لأن القوة لله لعلمت مبلغهم من النكال ولاستعظمت ما حل بهم. ودخلت "إذ" وهي لما مضى في إثبات هذه المستقبلات تقريبا للأمر وتصحيحا لوقوعه" (?).
وقد اختلفت القرأة في قراءة قوله تعالى: {ولو يرى الذين ظلموا إِذْ يَرَوْنَ العذاب} [البقرة: 165]، على ثلاثة أوجه (?):
أحدها: {ولو يرى الذين ظلموا إِذْ يَرَوْنَ العذاب} بياء الغيبة في {يرى}، وبفتح الياء في {يَرَوْنَ}، على الإخبار عمن جرى ذكرهم كأنه قال: ولو يرى الذين ظلموا أنفسهم باتخاذ الأنداد.
الثاني: {ولو ترى الذين ظلموا إذ يرون العذاب} بتاء الخطاب في {ترى}، خطابا للنبي عليه السلام، كأنه قال: لو ترى يا محمد الذين ظلموا.
وهي قراءة نافع وابن عامر ويعقوب.
الثالث: وبفتح الياء في {يَرون}؛ وبضمها: {يُرون}. وهي قراءة ابن عامر، على التعدية وحجته قوله تعالى: {كذالك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم} والباقون (يرون) بالفتح على إضافة الرؤية إليهم.
وقد رجح بعضهم القراءة الأولى، "لأن النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين قد علموا قدر ما يشاهده الكفار، ويعاينون من العذاب يوم القيامة، أما المتوعدون في هذه الآية فهم الذين لم يعلموا ذلك، فوجب إسناد الفعل إليهم (?).
وقرأ أبو جعفر ويعقوب {إن القوة وإن الله} بكسر الألف على الاستئناف والكلام تام عند قوله {إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ} مع إضمار الجواب" (?)، وأما القراء السبع فعلى فتح الألف فيها (?).