داخل أجوافنا؛ وهذا مستحيل؛ فيكون ظاهر الخبر مستحيلاً، ويصرف إلى معنى أن الله يقلب القلوب دون أن تكون بين أصابعه»؛ ولا شك أن هذا تحريف للكلم عن مواضعه؛ وقد تبين بهذه الآية الكريمة أن البينية لا تستلزم الملاصقة، والمماسة؛ وعليه فلا يكون من لازم كون القلوب بين أصابع الرحمن أن تكون أصابعه داخل أجوافنا؛ ويقال أيضاً: بدر بين مكة والمدينة - هذا في المكان، وبينهما مسافة واضحة" (?).
وفي قوله تعالى: {وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ} [البقرة: 164]، ثلاثة أوجه (?):
أحدها: ابتداء نشوئه وانتهاء تلاشيه.
والثاني: ثبوته بين السماء والأرض من غير عَمَد ولا علائق.
والثالث: تسخيره وإرساله إلى حيث يشاء الله عز وجل.
قوله تعالى: {لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [البقرة: 164]، "أي في كل هذه الظواهر عبر ومواعظ لمن يعقل ويتدبر وينظر في الأسباب" (?).
قال أبو الضحى: " يقول: في هذه الآيات لقوم يعقلون" (?).
قال ابن كثير: "أي: في هذه الأشياء، دلالات بينة على وحدانية الله تعالى" (?).
قال الصابوني: " أي لدلائل وبراهين عظيمة دالة على القدرة القاهرة، والحكمة الباهرة، والرحمة الواسعة لقوم لهم عقول تعي وأبصار تدرك، وتتدبر بأن هذه الأمور من صنع إِله قادر حكيم" (?).
قال القرطبي: " أي دلالات تدل على وحدانيته وقدرته، ولذلك ذكر هذه الأمور عقيب قوله: {وإلهُكُمْ إلَهٌ وَاحِدٌ} ليدل على صدق الخبر عما ذكره قبلها من وحدانيته سبحانه، وذكر رحمته ورأفته بخلقه. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ويل لمن قرأ هذه الآية فمج بها" أي لم يتفكر فيها ولم يعتبرها" (?).
و{آيات}: "جمع آية؛ وهي العلامة المعيِّنة لمعلومها؛ وصارت تلك آيات؛ لأنها دالة على كمال علم الله، وقدرته، ورحمته، وحكمته، وسلطانه، وغير ذلك من مقتضى ربوبيته" (?).
قال ابن طية: " فهذه آيات أن الصانع موجود. والدليل العقلي يقوم أن الصانع للعالم لا يمكن أن يكون إلا واحدا لجواز اختلاف الاثنين فصاعدا" (?).
قال ابن عثيمين: " فالإنسان العاقل حقاً إذا تأمل هذه الأشياء وجد أن فيها آيات تدل على خالقها - جل وعلا -، وموجدها، وعلى ما تضمنته من صفات كماله؛ أما الإنسان المعرض - وإن كان ذكاؤه قوياً - فإنه لا ينتفع بها - ولهذا وصف الله سبحانه وتعالى الكفار بأنهم لا يعقلون مع أنهم في العقل الإدراكي - يدركون به ما ينفعهم، وما يضرهم - عقلاء؛ لكن نفاه الله عنهم لعدم انتفاعهم به، وعدم عقلهم الرشدي الذي يرشدهم إلى ما فيه مصلحتهم" (?).
قال الماوردي: " وهذه الآية قد جمعت من آياته الدالة على وحدانيته وقدرته ما صار لذوي العقول مرشداً وإلى الحق قائداً. فلم يقتصر الله بنا على مجرد الإخبار حتى قرنه بالنظر والاعتبار " (?).
الفوائد: