حَيْثُ أَنه يحمل للغني مَا لَا يحْتَاج إِلَيْهِ للْحَال ليصل إِلَيْهِ عِنْد حَاجته إِلَى ذَلِك والغني يحْتَاج إِلَى ذَلِك ليحصل بِهِ مَقْصُوده للْحَال وَلَو اجْتمع الْفُقَرَاء على ترك الْأَخْذ لم يلحقهم فِي ذَلِك مأثم بل يحْمَدُونَ عَلَيْهِ بِخِلَاف مَا إِذا اجْتمع الْأَغْنِيَاء عَن الِامْتِنَاع عَن أَدَاء الْوَاجِب فَعرفنَا أَن الْمِنَّة للْفُقَرَاء على الْأَغْنِيَاء
أَن يكون الْمُعْطِي والآخذ كل وَاحِد مِنْهُمَا مُتَبَرّع فَأن كَانَ الْمُعْطِي مُتَبَرعا والآخذ قَادر على الْكسْب فالمعطي هُنَا أفضل أَيْضا لِأَنَّهُ بِمَا يُعْطي يَنْسَلِخ عَن الْغنى ويتمايل إِلَى الْفقر والآخذ بِالْأَخْذِ يتمايل إِلَى الْغنى وَقد بَينا أَن دَرَجَة الْفَقِير أَعلَى من دَرَجَة الْغَنِيّ فَمن يتمايل إِلَى الْفقر بِعَمَلِهِ كَانَ أَعلَى دَرَجَة وَلِأَن الْعِبَادَات مَشْرُوعَة بطرِيق الِابْتِلَاء قَالَ الله تَعَالَى {ليَبْلُوكُمْ أَيّكُم أحسن عملا} وَمعنى الإبتلاء بالإعطاء أظهر مِنْهُ فِي الْأَخْذ لِأَن االابتلاء فِي الْعَمَل الَّذِي لَا تميل إِلَيْهِ النَّفس وَفِي نفس كل أحد دَاعِيَة إِلَى الْأَخْذ دون الْإِعْطَاء وَلِهَذَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الْمُسلم يحْتَاج فِي تصدقه بدرهم إِلَى أَن يكسر شهوات سبعين شَيْطَانا وَإِذا كَانَ معنى الِابْتِلَاء فِي الْإِعْطَاء أظهركان أفضل لما رُوِيَ أَن النَّبِي