وَالْمرَاد التِّجَارَة وَقَالَ عز وَجل {لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تَبْتَغُوا فضلا من ربكُم} يَعْنِي التِّجَارَة فِي طَرِيق الْحَج وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أطيب مَا أكلْتُم من كسب أَيْدِيكُم وَإِن أخي دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَأْكُل من كسب يَده وَالْمرَاد الاشارة إِلَى قَوْله تَعَالَى {كلوا من طَيّبَات مَا رزقناكم}
وَأقوى مَا نعتمده أَن الِاكْتِسَاب طَرِيق الْمُرْسلين صلوَات الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ وَقد قَررنَا ذَلِك وَلَا معنى لمعارضتهم إيانا فِي ذَلِك بِعِيسَى وَيحيى عَلَيْهِمَا السَّلَام فقد بَينا أَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَأْكُل من غزل أمه رَضِي الله عَنْهَا
ثمَّ نقُول إِن الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام فِي هَذَا لَيْسَ كغيرهم فقد بعثوا لدَعْوَة النَّاس إِلَى دين الْحق وَإِظْهَار ذَلِك وَكَانُوا مشغولين بِمَا بعثوا لأَجله وَلم يشتغلوا عَامَّة أوقاتهم بِالْكَسْبِ لهَذَا وَقد اكتسبوا فِي بعض الْأَوْقَات ليبينوا للنَّاس أَن ذَلِك مَا يَنْبَغِي أَن يشْتَغل بِهِ الْمَرْء وَلِأَنَّهُ لَا يَنْفِي التَّوَكُّل على الله كَمَا ظَنّه هَؤُلَاءِ الْجُهَّال وَقد بَين ذَلِك عمر رَضِي الله عَنهُ فِي حَدِيثه حَيْثُ مر بِقوم من الْقُرَّاء فَرَآهُمْ جُلُوسًا قد نكسوا رؤوسهم فَقَالَ من هَؤُلَاءِ فَقيل هم المتوكلون فَقَالَ كلا وَلَكنهُمْ المتأكلون يَأْكُلُون أَمْوَال النَّاس