وَإِلَى ذَلِك أَشَارَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله النَّاس غاديان فبائع نَفسه فموبقها ومشتر نَفسه فمعتقها وَأَن الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ كَانُوا يلزمون الْمَسْجِد فَلَا يشتغلون بِالْكَسْبِ ومدحوا على ذَلِك وَكَذَلِكَ الْخُلَفَاء الراشدون وَغَيرهم من أَعْلَام الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ لم يشتغلوا بِالْكَسْبِ وهم الْأَئِمَّة السَّادة والقدوة القادة
وَحجَّتنَا فِي ذَلِك قَوْله تَعَالَى {وَأحل الله البيع} وَقَالَ جلّ وَعلا {إِذا تداينتم بدين} وَقَالَ عز وَجل {إِلَّا أَن تكون تِجَارَة عَن ترَاض} وَقَالَ جلّ جَلَاله {إِلَّا أَن تكون تِجَارَة حَاضِرَة} الْآيَة فَفِي بعض هَذِه الْآيَات تنصيص على الْحل وَفِي بَعْضهَا ندب إِلَى الِاشْتِغَال بِالتِّجَارَة فَمن يَقُول بحرمتها فَهُوَ مُخَالف لهَذِهِ النُّصُوص
وَإِنَّمَا يحمل كَلَام صَاحب الشَّرْع عِنْد الاطلاق على مَا يتفاهمه النَّاس فِي مخاطبتهم لِأَن الشَّرْع إِنَّمَا خاطبنا بِمَا نفهمه وَلَفْظَة البيع وَالشِّرَاء حَقِيقَة للتَّصَرُّف فِي المَال بطرِيق الِاكْتِسَاب وَالْكَلَام مَحْمُول على حَقِيقَة لَا يجوز تَركهَا إِلَى نوع من الْمجَاز إِلَّا عِنْد قيام الدَّلِيل كَمَا فِيمَا اسْتشْهدُوا بِهِ من قَوْله تَعَالَى {إِن الله اشْترى من الْمُؤمنِينَ} فقد قَامَ الدَّلِيل على أَن المُرَاد بِهِ الْمجَاز وَلم يُوجد مثل ذَلِك هَهُنَا فَكَانَ مَحْمُولا على حَقِيقَته وَقَالَ الله تَعَالَى {فَإِذا قضيت الصَّلَاة فَانْتَشرُوا فِي الأَرْض وابتغوا من فضل الله}