هذا الثاني إلى الدنيا بالاستكثار من العقار والبناء، وانه إنما هرب من الأندلس لأنه يمد عينيه إلى التمتع بغيرها، مع أن الأندلس دار رباط لا يستحب للرجل المؤمن أن يتركها إلا إلى مكة أو طيبة أو بيت المقدس. وسرد النباهي بعض القضايا التي تدل على تدخل ابن الخطيب في نزاهة القضاء، واتهم لسان الدين بالعبث في " الابشار والأموال وهتك الأعراض وإفشاء الأسرار وكشف الأستار واستعمال المكر والحيل والغدر في غالب الأحوال للشريف والمشروف والخادم والمخدوم " (?) ، ولم ينس النباهي إن يوجه إلى ابن الخطيب تهمة الطعن في الشريعة والوقوع في جناب الرسول الكريم، وانه نقلت عنه في ذلك أشياء منكرة، وانه متأثر في ذلك بأستاذه وشيخه المستخف ابن هذيل منك علم الجزئيات القائل بعدم قدرة الرب - جل اسمه - على جميع الممكنات.
وما كان القاضي النباهي إلا واحدا من أولئك الذين ارصدوا العداوة والشنآن لابن الخطيب، ولعله آثار عليه كثيرا من القلوب، بما يروجه من نقد لتصرفاته، وكذلك كان تلميذه ابن زمرك من اشد الناس طعنا عليه وكيدا له، ومثلهما في ذلك ربيبه احمد بن سليمان بن فركون، - في اغلب الظن - وغير هؤلاء ممن كان لسان الدين قد رشحهم للمناصب ومكنهم منها، وكان هذا كله في نظر لسان الدين تنكرا للجميل، وعضا ليد المحسن الكريم، ولذلك عبر عن موقفه من الحياة السياسية بالعجز واثر الفرار. فوصل الباب العزيزي - أي باب السلطان عبد العزيز - بتلمسان في 19 رجب سنة 773: " فتلقاني بما يليق بحسبه وشرف مذهبه: من اركاب الحجبة ورعي الوسيلة ودنو الجلسة واجراء