والتقرب بالسعي، انظر إليهم يتناقلون الإشارات بالعيون والمغامزة بالجفون والمخاطبة باللغوز، فإذا انصرفوا صرف الله قلوبهم فقلبوا الأمور ونقلوا العيوب وافسدوا القلوب وتعللوا بالأحلام وقواطع الأحكام " (?) .
ولقد قضى ابن الخطيب في هذا الجو المكفهر فترة من الزمن وهو فريسة للخوف والحذر، نهبة للتلوم النفسي والتردد، وكلما خلا إلى نفسه جعل يخاطبها قائلا: " يا مشئومة! أما تشعرين لما نزل بك، حملت هذا الكل على ضعفك، وأوسعت هذا الشغب في فكرك.. وتعرضت لان تسخطي الطالب الممنوع بخيبته، وتسخطي المعطى بما يرى انك قد منعته الزيادة في عطيته، وتسخطي الأجنبي بالقبول على عدوه؟ وتسخطي الجاني بإنفاذ العقوبة في جنايته؟ وتسخطي الجيش باختباره وعرضه؟ وتسخطي الرعية باستقصاء الجباية " (?) .. وجاءت اللحظة الحاسمة التي وجد فيها أن الفرار أمر محتوم، وهي لحظة عبر عنها لسان الدين " بالعجز " حين قال للغني بالله " ونختم لكم هذه الغزارة بالحلف الأكيد: أني ما تركت لكم وجه نصيحة في دين ولا في دنيا ألا وقد وفيتها لكم ولا فارقتكم ألا عن عجز " (?) ، وهذا التصريح يدل على الحقيقة النفسية الكامنة التي كانت تتعلل بالماضي والمستقبل، أما الماضي فقد لفه لسان الدين في ثوب من الترفع عن الكسب وجمع المال وجعله كله عملا مخلصا ممتدا في الزمان، استطاع فيه أن يؤمن للدولة أسبابها ويطمئن على صاحبه، بإرضاء الجند وعقد المعاهدات مع الاعداء، وتكثير الأصدقاء، وأما المستقبل فسوف يكون هجرة إلى الله تعالى وزيارة لمكة وقبر