فإن قلت: هل يجوز أن يكون في محل النصب على الاستثناء، كقولك: هل جاءك أحد إلا زيد، وإلا زيدًا؟ قلت: لا أمنع ذلك.
ومعنى يرغب عن ملته، أي: يترك دينه وشريعته، يقال: رغِبتُ في الشيء أرغَب بكسر العين في الماضي وفتحها في الغابر رَغْبَةً ورَغَبَةً بالتحريك، إذا أردته. ورَغِبتُ عنه: إذا لم تُرِدْهُ وزهدْتَ فيه.
وأصل الرغبة: رفع الهمة عن الشيء تنزهًا، وإليه سُمُوًّا. فمعنى قوله: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ}: أي يرفع نفسه عنها، فاعرفه.
فإن قلتَ: علام انتصب {سَفِهَ} من {سَفِهَ نَفْسَهُ}؛ قلت: اختَلف أهلُ النحو فيه على أربعة أقوال (?):
أحدها: بـ {سَفِهَ}، على تضمين {سَفِهَ} معنى جهل، أي: لم يفكر فيها وامتهنها واستخف بها (?). وأصلُ السَّفَهِ: الخفةُ والحركةُ، يقال: تَسَفَّهَتِ الريحُ الشجرَ، أي: مالت به.
والثاني: على إسقاط الجار، أي: سَفِهَ في نفسه، فحُذف الجارُّ ونُصب المفعول، كقولهم: ضربَ الظهرَ والبطنَ، أي: على الظهر والبطن، وقولهم: زيد ظني مقيم، أي: في ظني (?).
والثالث: على معنى سَفَّه نفسَه، ثم خُفِّفَ وهو مراد، يقال: سَفِهَ نفسَه، وبَطِرَ عيشَه، ورَشِدَ أمرَه، والأصل: سَفِهَمتْ نَفْسُهُ، وَرَشِدَ أَمْرُهُ، فلما حُوِّلَ الفعلُ إليه انتصب ما بعده بوقوع الفعل عليه على تقدير التشديد (?).