فقال له1 المهلب:بئس حشو الكتيبة والله أنت! فإن شئت أذنت لك فانصرفت إلى أهلك، فقال: بل أقيم معك أيها الأمير، فوهب له المهلب وأعطاه، فقال يمدحه:
يرى حتماً عليه أبو سعيد ... جلاد القوم في أولى النفير
إذا نادى الشراة أبا سعيد ... مشى في رفل محكمة القتير2
الرفل: الذيل.
وكان المهلب يقول: ما يسرني أن في عسكري ألف شجاع بدل بيهس بن صهيب، فيقال له: أيها الأمير، بيهس ليس بشجاع، فيقول: أجل، ولكنه سديد الرأي محكم العقل، وذو الرأي حذر سؤول، فأنا آمن أن يعتقل، فلو كان مكانه ألف شجاع قلت: إنهم ينشامون3 حين يحتاج إليهم4
ومطرت السماء مطراً شديداً وهم بسابور، وبين المهلب وبين الشراة عقبة، فقال المهلب: من يكفينا هذه العقبة الليلة? فلم يقم أحد، فلبس المهلب سلاحه وقام إلى العقبة واتبعه ابنه المغيرة، فقال رجل من أصحابه يقال له عبد الله: دعانا الأمير إلى ضبط العقبة، والحظ في ذلك لنا فلم نطعه، فلبس سلاحه واتبعه جماعة من أهل العسكر فصاروا إليه، فإذا المهلب والمغيرة لا ثالث لهما، فقالوا: انصرف أيها الأمير، فنحن نكفيك إن شاء الله، فلما أصبحوا إذا بالشراة على العقبة، فخرج إليهم غلام من أهل عمان على فارس، فجعل يحمل وفرسه يزلق، وتلقاه مدرك بن المهلب في جماعة حتى ردهم.
فلما كان يوم النحر والمهلب على المنبر يخطب الناس، إذا الشراة قد تألبوا، فقال المهلب: سبحان الله! أفي مثل هذا اليوم! يا مغيرة أكفنيهم، فخرج إليهم المغيرة بن المهلب وأمامه سعد بن نجد القردوسي، وكان سعد شجاعاً متقدماً في