الْمَقْتُولُ، وَكَانَ ضِرَارُ بْنُ مُقَرِّنٍ الْمُزَنِيُّ عَاشِرَ عَشَرَةِ إِخْوَةٍ مُحَاصِرًا قَصْرَ ابْنِ مَازِنٍ وَفِيهِ ابْنُ أَكَّالٍ، وَكَانَ الْمُثَنَّى مُحَاصِرًا قَصْرَ ابْنِ بُقَيْلَةَ وَفِيهِ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْمَسِيحِ بْنِ بُقَيْلَةَ، فَدَعَوْهُمْ جَمِيعًا وَأَجْلَوْهُمْ يَوْمًا وَلَيْلَةً، فَأَبَى أَهْلُ الْحِيرَةِ، وَقَاتَلَهُمُ الْمُسْلِمُونَ، فَافْتَتَحُوا الدُّورَ وَالدِّيرَاتِ وَأَكْثَرُوا الْقَتْلَ. فَنَادَى الْقِسِّيسُونَ وَالرُّهْبَانُ: يَا أَهْلَ الْقَصْرِ، مَا يَقْتُلُنَا غَيْرُكُمْ! فَنَادَى أَهْلُ الْقُصُورِ الْمُسْلِمِينَ: قَدْ قَبِلْنَا وَاحِدَةً مِنْ ثَلَاثٍ، وَهِيَ إِمَّا الْإِسْلَامُ أَوِ الْجِزْيَةُ أَوِ الْمُحَارَبَةُ، فَكَفُّوا عَنْهُمْ، وَخَرَجَ إِلَيْهِمْ إِيَاسُ بْنُ قَبِيصَةَ، وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْمَسِيحِ بْنِ قَيْسِ بْنِ حَيَّانَ بْنِ الْحَارِثِ، وَهُوَ بُقَيْلَةُ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ بُقَيْلَةَ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي بُرْدَيْنِ أَخْضَرَيْنِ، فَقَالُوا: مَا أَنْتَ إِلَّا بُقَيْلَةُ خَضْرَاءُ، فَأَرْسَلُوهُمْ إِلَى خَالِدٍ، فَكَانَ الَّذِي يَتَكَلَّمُ عَنْهُمْ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْمَسِيحِ، فَقَالَ لَهُ خَالِدٌ: كَمْ أَتَى عَلَيْكَ؟ قَالَ: مِئُو سِنِينَ. قَالَ: فَمَا أَعْجَبُ مَا رَأَيْتَ؟ قَالَ: رَأَيْتُ الْقُرَى مَنْظُومَةً مَا بَيْنَ دِمَشْقَ وَالْحِيرَةِ، وَتَخْرُجُ الْمَرْأَةُ فَلَا تَتَزَوَّدُ إِلَّا رَغِيفًا. فَتَبَسَّمَ خَالِدٌ وَقَالَ لِأَهْلِ الْحِيرَةِ: أَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّكُمْ خَبَثَةٌ خَدَعَةٌ، فَمَا بَالُكُمْ تَتَنَاوَلُونَ حَوَائِجَكُمْ بِخَرِفٍ لَا يُدْرَى مِنْ أَيْنَ جَاءَ؟

فَأَحَبَّ عَمْرٌو أَنْ يُرِيَهُ مِنْ نَفْسِهِ مَا يَعْرِفُ بِهِ عَقْلَهُ وَصِحَّةَ مَا حَدَّثَهُ بِهِ، قَالَ: وَحَقِّكَ إِنِّي لَأَعْرِفُ مِنْ أَيْنَ جِئْتُ! قَالَ: فَمِنْ أَيْنَ خَرَجْتَ؟ قَالَ: مِنْ بَطْنِ أُمِّي. قَالَ: فَأَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: أَمَامِي. قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: الْآخِرَةُ. قَالَ: فَمِنْ أَيْنَ أَقْصَى أَثَرِكَ؟ قَالَ: مِنْ صُلْبِ أَبِي. قَالَ: فَفِيمَ أَنْتَ؟ قَالَ: فِي ثِيَابِي. قَالَ: أَتَعْقِلُ؟ قَالَ: إِي وَاللَّهِ وَأُقَيِّدُ. قَالَ خَالِدٌ: إِنَّمَا أَسْأَلُكَ! قَالَ: فَأَنَا أُجِيبُكَ. قَالَ: أَسِلْمٌ أَنْتَ أَمْ حَرْبٌ؟ قَالَ: بَلْ سِلْمٌ. قَالَ: فَمَا هَذِهِ الْحُصُونُ؟ قَالَ: بَنَيْنَاهَا لِلسَّفِيهِ نَحْبِسُهُ حَتَّى يَنْهَاهُ الْحَلِيمُ. قَالَ خَالِدٌ: قَتَلَتْ أَرْضٌ جَاهِلَهَا، وَقَتَلَ أَرْضًا عَالِمُهَا، الْقَوْمُ أَعْلَمُ بِمَا فِيهِمْ.

وَكَانَ مَعَ ابْنِ بُقَيْلَةَ خَادِمٌ مَعَهُ كِيسٌ فِيهِ سُمٌّ، فَأَخَذَهُ خَالِدٌ وَنَثَرَهُ فِي يَدِهِ وَقَالَ: لِمَ تَسْتَصْحِبُ هَذَا؟ قَالَ: خَشِيتُ أَنْ تَكُونُوا عَلَى غَيْرِ مَا رَأَيْتُ، فَكَانَ الْمَوْتُ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ مَكْرُوهٍ أُدْخِلُهُ عَلَى قَوْمِي. فَقَالَ خَالِدٌ: إِنَّهَا لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حَتَّى تَأْتِيَ عَلَى أَجَلِهَا، وَقَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ خَيْرِ الْأَسْمَاءِ، رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ دَاءٌ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وَابْتَلَعَ السُّمَّ. فَقَالَ ابْنُ بُقَيْلَةَ: وَاللَّهِ لَتَبْلُغُنَّ مَا أَرَدْتُمْ مَا دَامَ أَحَدٌ مِنْكُمْ هَكَذَا.

وَأَبَى خَالِدٌ أَنْ يُصَالِحَهُمْ إِلَّا عَلَى تَسْلِيمِ كَرَامَةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمَسِيحِ إِلَى شُوَيْلٍ، فَأَبَوْا، فَقَالَتْ: هَوِّنُوا عَلَيْهِمْ وَأَسْلِمُونِي، فَإِنِّي سَأَفْتَدِي. فَفَعَلُوا، فَأَخَذَهَا شُوَيْلٌ، فَافْتَدَتْ مِنْهُ بِأَلْفِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015